وحدة

منذ 2016-10-05

الوحدة ... إحساس مزعج يوشك أن يكون قاتلا..

فتحت نافذة غرفتها المشرفة على حديقة صغيرة.. اعتنت فيها بكل النباتات .. كل زهرة أو شجرة،سقتها ورعتها حتى اكتمل نموّها و أينعت... كانت تتفقدها كلّ صباح عبر نافذتها ترمقها بعين الرضا عن نفسها مع ابتسامة خفيفة على محياها.. وبين يديها سكَن فنجالٌ أبيضَ ناصع يحوي أروع أنواع السّواد.. سواد يميل إلى حمرة يفوح منه شذى قهوة أعدّتها بذاتها .. كان فنجال قهوتها الصباحيّ شيئا مقدسا لا يمكنها الاستغناء عنه أو تأجيل موعده.. له طقوس اعتادت عليها منذ سنوات ولم تفكّر يوما في إزالتها أو حتى تغييرها.. يرافق قهوتها دائما كرسي صمّم خصيصا ليكون أكثر راحة ، كتاب و أسطوانة موسيقى هادئة... تلك كانت طقوس الصباح.
كل على ما هو عليه لم يتغير شيء إلا أنّها اليوم تحسّ إحساسا دخيلا يقتحم حياتها الروتينية ليزعج رتابة يومها..
الوحدة ... إحساس مزعج يوشك أن يكون قاتلا..
ما أيقظك أيها العقل اللّعين.. كانت تعيش بسلام يغشّي قلبها إحساس بالأمان أساسه الإكتفاء
كانت تكفيها قهوة تعدّها بمزاج معتدل قنوع ونغم جميل،تسرح مع ألحانه في خيال بعيد و كتاب تسافر مع صفحاته إلى كل المدن التي عجزت عن الحصول على تأشيرة العبور إليها..
كانت راضية بواقعها و لم تحاول يوما تغييره بل لم تجرؤ حتي على التّفكير في ذلك..
اليوم كل الأمور عادية إلا أن فكرا ما يتسلّل إلى عقلها ويقتحمه غير مبال بما يتركه من ضيق وكآبة.. فكّرت في أشياء ربّما مضت ولن تعود و أخرى تراها بعيدة ولن تكون.
أمسكت بفنجالها الأبيض كنقاء قلبها و رفعته في صمت وبطء بيد مرتعشة فترشّفت سواد ما يحويه.. سواد كسواد هذه الغيمة التي تخيّم على تفكيرها ..
ترشّفت منه قليلا و فكرها شارد لا مبال بما يحدث حولها ثم أبعدتها عن شفتيها في ازدراء
مال طعم القهوة اليوم مختلف لا يحمل تلك اللّذة المعتادة و ما لهذه الموسيقى تغيّر وقعها وكأنّها أجراس العالم تدق رأسها. حتى النّسيم المعطّر برائحة الياسمين الذكيّة يهبّ اليوم على غير عادة في قوة محتجّا ثائرا كأنه يصفعها لتستفيق.. ،
أفيقي فإنّ الذي يرضيك اليوم لن يدوم،
أفيقي فإنّ ما تكتفين به ليس بكافِ
سرحت مع ذكرياتها القديمة برهة،كيف كانت أحلامها... أحلام زهريّة شاركها فيها الأعزاء.. لقد انسحبوا من مسرحيّة حياتها الواحد تلو الآخر وكل من يرحل يحمل معه مشهدا عزيزا أتقن أداء دوره فيه
أين أبطال رواية حياتي ؟ هكذا نادت المسكينة، بصوت خفي..
-لم يبقى غيري هنا.. ،أنا فقط
وحيدة أواصل شريط حياتي بمفردي.. هذا أمر صعب
لم تتمكن من استيعاب الفكرة، كانت قاسية على عقلها الرطب قليل التجارب فقير الخبرة.. أدركت حينها أنها أضاعت ما أضاعت من سنين حياتها ترتجل دورا ليس دورها كانت تُتقن أداء دور القوية الصامدة في حين لم تكن سوى مخلوقة ضعيفة بائسة ..،كيف كانت ترى نفسها بصورة اللّبوة الشرسة و هي لم ترتق حتى إلى أن تكون ظلّ قطة.
أغلقت نافذتها وارتمت على سريرها تتخطّف غطاءها فسرعان ما التفّت به وأخفت كل جسمها تحته وكأنّها تختبئ فيه من الغمامة السوداء حتى تنجلي أو كأنٌها تغطي ما بدا لها من ضعفها..
لقد اكتفت بالهروب من تلك الأفكار بدل مواجهتها و لجأت إلى النوم الذي رأت فيه الحلّ الأنسب لراحتها من كل هذه الشوائب الذهنية المزعجة.
هدأت أطرافها بعد تشنّج واسترخت مستسلمة لسبات عميق ، تُنَهنِه بقلب صديع.... أيّها النسّاجون.. أريد كفنا واسعا لأحلامي.

----------------------

بقلم/ إيمان الشعبان

  • 0
  • 0
  • 1,257

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً