من ينهي الحكاية - مذكرات مرابطة (9)

منذ 2017-08-29

سلسلة مقالات بقلم المناضلة الفلسطينية هنادي الحلواني، من مرابطات المسجد الأقصى، وقد أسمتها (مذكرات مرابطة).

المنحة:

اتجهتُ برفقة زوجي إلى مركز المسكوبية بعد أن أقنعني المحامي بضرورة التوجه السريع نحو المركز والتقليل من العناد خاصةً أنه مكتوبٌ في نصّ الاستدعاء "التوجه حالاً للتحقيق في مركز المسكوبية"، كانت دقات قلبي تكاد تكون مسموعةً لشدّةِ ما كنتُ أخشى الابعاد! وأردّد موصيةً زوجي "لو سجنوني، أو فعلوا ما فعلوا، لا توافق على إبعادي عن المسجد الأقصى".

وصلتُ المركز ليواجهنا في مدخل المسكوبية ضابطٌ سمِج يرفع أنفه عالياً وهو يرمقني بنظرة تحدي قائلاً: " إنتِ هنادي الي بدك نجبلك ورقة الاستدعاء لعندك؟! اطلعي برا بس بدنا ياكِ بنناديكِ"، يا لسماجتكَ وانعدام خلقك، حسناً لا بأس، لم يتصرفوا بهذه الطريقة إلا لأنني نلتُ منهم مجدداً.

تصرفهم هذا وتركي مع زوجي على باب المركز لما يقارب الخمس ساعات ردٌ على الفعلة التي فعلتها بهم حين اتصل الضابط بي مساء الأمس يطلبني في مركز المسكوبية فرفضت، وأخبرته أنني لا أضمن صدقه وأنه ضابطٌ حقاً ولن آتي إلا بورقة استدعاء رسمية!

اتصل على زوجي يطالبه بإحضاري فلم يكن موجوداً في محلّه، عاود الاتصال بي مجدداً لأقول له بإصرار: "لسا أنا عند كلمتي، ما باجي إلا بس توصلني ورقة الاستدعاء لبيتي"، أغلق الهاتف غاضباً وهو يتوعد.

واليوم صباحاً حاول الوصول لبيتي فأعماه الله عنه، واستمر يبحث حتى وصل بيت أهلي القريب من بيتي، وسلموا ورقة الاستدعاء لأخي غاضبين بعد أن رفضتُ القدوم إليهم وطالبتهم بالمجيء إليّ كما وصلوا أخي، وكانت سابقةٌ حقيقية أن يأتي الضابط بنفسه يبحث عن بيتٍ ليسلم ساكنه ورقة الاستدعاء.

أضعتُ له وقته، وها هو يحاول النيل مني وإضاعة وقتي، لكنني كسبتُ وقتاً أطول للدعاء والاستغفار.

دخلتُ لغرفة التحقيق لأواجَه بعاصفةٍ من الصراخ والتهديد والضرب المتواصل على الطاولة المسكينةِ العاجزة عن الابتعاد عن نجاسة يده وهو يضربها باستمرار.

ثم رمى إليّ ورقة وهو يصرخ: وقعي!

نظرتُ للورقة باستهتار بطرف عيني وأجبته أني لا أجيد العبرية، فأشار إلى ترجمتها باللغة العربية وهو يقول: تفضلي الترجمة.

وبدون أن أنظر للورقة أجبته: ما بشوف منيح اقرألي ياها!

استدعى ضابطاً ليقرأها، فكان يقرأ بعربيةٍ مكسرة لكنني فهمتُ أنها ورقة تهدف لإبعادي عن المسجد الأقصى لمدة شهرين بمسافة عشرين متر!

وعندما أنهى القراءة التفتّ إليه وأنا أقول: ما فهمت كمان! بحكي عربي مكسر. نادي واحد تاني.

كتم غيظه واستدعى ضابطاً آخر وحين انتهى من قراءتها قال لي الضابط: فهمتي يا ست هنادي؟؟

فأجبت: فهمت اشي واحد بس، الأقصى للمسلمين وما بحقلك تبعدني عنه، وما بوقع!

استشاط غضباً وأمر بإحضار زوجي الذي رفض كفالتي استجابةً لرغبتي إلا بعد أن أخبره المحامي أن الابعاد واقعٌ لا محالة، ولا بديل آخر ولا بدّ أن نوقع.

ظنّ الاحتلال بهذا أنهم بهذا يكسرون شوكة مشروعنا العملاق، لكنهم وجدوا حين أبعدوني أن كلّ واحدةٍ بغيابي هي هنادي، وكل طالبة ومعلمةٍ رفعت راية هنادي.

وأنا حولتُ محنتي بهذا الابعاد لمنحةٍ جميلة، حين استغللت وقتي لرعاية أولادي وأمي المريضة، ووجدت من الوقت متسعاً للسفر إلى الأردن لعقد اختبار التجويد ومُنحت الإجازة هناك بدرجة امتياز بفضل الله من وزارة الأوقاف، وجمعية المحافظة على القرآن الكريم، ورياض الصالحين.

وعدتُ للأقصى بعدها بهمةٍ جديدة،وتحدٍ كبير.

يتبع...

  • 1
  • 0
  • 2,858
المقال السابق
مذكرات مرابطة (8)
المقال التالي
مذكرات مرابطة (10)

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً