أريد ورقتي

منذ 2024-10-31

لا ترفع سقف توقُّعاتك في أحد، ولا في شيء، مهما عظُم في نظرك، وتعامَل مع الدنيا أنها ممرٌّ ومعبر، وأنها ليست سعادة دائمة، وتعامَل مع ابتلاءاتها بالصبر والتسليم، والرضا واليقين فيما عند الله، تسلَم وترتَحْ نفسيًّا وعصبيًّا.

هل مرَّ بك قبل ذلك هذا الموقف؛ أن تدخل اختبارًا فتجد المعلم يعطيك النموذج (أ)، ويعطي زميلك النموذج (ب)، فتجد زميلك قد انتهى سريعًا من الاختبار، وأنت ما زلت محتارًا في إجابة اختبارك؟

 

فتظن أن ذلك لأن نموذجك صعب، ونموذج زميلك سهل، فتطلب من المعلم تبديلَ النموذج، فتأخذ نموذج زميلك، وتبدأ الحل، فإذا بك تجده أصعبَ من نموذجك الأول، فتندم مرة أخرى وتقول لمعلمك: "آسف جدًّا، أريد ورقتي من فضلك".

 

هل سمِعت من قبل قصة الحكيم الذي اشتكى له أهلُ قريته من مشاكلهم وابتلاءاتهم، فاقترح عليهم أن يكتب كلُّ واحد ابتلاءاته في ورقة، ولا يكتب اسمه عليها، ثم يضعوا الأوراق في صندوق كبير، ثم يختار كلُّ واحد منهم ورقةً بشكل عشوائي، وستكون هذه الورقة الجديدة بما فيها مشاكله الجديدة، أخذ كلُّ واحد يختار ورقة ثم يفتحها ويقرؤها، فلا تُعجبه ما بها من ابتلاءات صعبة، فيُلقيها ويختار ورقة أخرى فلا تعجبه أيضًا، فأخذ يبحث عن ورقته ويقول: "أريد ورقتي، أريد ورقتي، مشاكلي أسهل بكثير".

 

ماذا لو طبَّقنا هذه الفكرة الآن في الواقع؟

أنت وأخوك وأختك، وأقاربك ومعارفك، يكتب كلُّ منكم ابتلاءه، ثم تتبادلون الأوراق، لن تختار إلا ما أنت فيه الآن، لماذا؟ لأنه أنسب شيء لك، لأنه اختيار ربِّك لك أنت شخصيًّا، وهو أعلم بك من نفسك، وهو علَّام الغيوب، لا يغيب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض؛ {وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ} [الأنبياء: 81]، ولأنه سبحانه أحكم الحاكمين يضع الأشياء في مواضعها، وهو سبحانه أرحم بك من أمك، وهو ربُّك ومُربِّيك بالابتلاءات والاختبارات، كما يرعاك بالنِّعَمِ والأرزاق؛ لأن الله لا يكلف نفسًا إلا وسعها، ولأن كل شيء عنده بقدر معلوم؛ {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِ‍‍قَدَرٍ} [القمر: 41].

 

لو نظرتَ إلى أحدٍ وتمنَّيتَ ما عنده من رزق ونعمة وعافية، تذكر أن عنده ابتلاءاتٍ أيضًا أصابته أو ستُصيبه فيما بعد، في ماله أو ولده، أو جسده أو نفسه، فإذا أردت أن تأخذ ما عنده من نِعَمٍ، فخُذْ معها ما عنده من ابتلاء أيضًا.

 

إذا رأت الزوجة أن زوج أختها مقتدر ماديًّا، فلا تنسَ أنه يعامل زوجته بقسوة، وإذا أعجبها أبناء جارتها، فلا تنسَ أن الله لم يوسِّع لهم في الرزق كما وسَّع لها، والفكرة الرئيسية التي يجب أن نستوعبها جميعًا أن الحياة كلها اختبارات وابتلاءات، وهذه من سنن الله في خلقه، ومَن لا يضع في ذهنه هذه السُّنة، فسيُصاب بالكثير من الأمراض النفسية والاكتئاب والقلق؛ لأنه يريد أن تصفو له الدنيا، وتنتهي الابتلاءات ليرتاح ويسترخي، وهذا لن يحدث؛ لأننا لسنا في الفردوس، بل نحن في الدنيا التي طُبِعت على الكَدَرِ والأمراض والأوجاع، حتى لا نركن إليها، وحتى نشتاق للراحة الأبدية مع أول قدم في الجنة.

 

الزوجة التي تتزوج وتظن أن الحب الذي كان قبل الزواج سيستمر إلى آخر العمر بنفس القوة، ستُصدم مع أول

خلاف بينها وبين زوجها؛ لأنه لن يكون خلافًا بإلقاء المخدات كما صوَّروا لها ذلك، بل أصعب من ذلك بكثير؛ وذلك لأنها ظنَّت أن الزواج هو الفردوس الأرضيُّ، والسعادة الدائمة، وظنَّت أن الزوج لن يتغير أبدًا.

 

الأم التي تظن أن الأمومة لعب وضحك مع ابنها الصغير، ومن تظن أنها ستكون مرحلة سهلة بدون تعب وجهد، ومشقة ومعاناة، واهمةٌ؛ لأنها ما زالت في الدنيا بعدُ.

 

أي علاقة بين الناس وإن قَوِيَت ستمرُّ بمشكلات وأزمات، وأي متاع في الدنيا منغِّص ومكدِّر.

 

فلا ترفع سقف توقُّعاتك في أحد، ولا في شيء، مهما عظُم في نظرك، وتعامَل مع الدنيا أنها ممرٌّ ومعبر، وأنها ليست سعادة دائمة، وتعامَل مع ابتلاءاتها بالصبر والتسليم، والرضا واليقين فيما عند الله، تسلَم وترتَحْ نفسيًّا وعصبيًّا.

 

وليس معنى ذلك أنك ستكون مبتلًى دائمًا وحزينًا، ولكن مهما كان عندك من ابتلاء، فستكون مهيَّأً لذلك وصابرًا ومحتسبًا لِما عند الله، فستصبح على رغم البلاء مطمئنًّا راضيًا، ساكنَ القلب، قريرَ العين حتى يمر البلاء على خير.

 

فركِّز في أسئلتك وإجابتك، واستمتع بورقة اختبارك كما هي، ولا تنظر في ورقة غيرك، وارضَ بما قسمه الله لك تكُنْ أغنى الناس.

_____________________________________
الكاتب: سمر سمير

  • 2
  • 0
  • 243
  • عبدالسلام الفرحان

      منذ
    طوبى لكم أيها الغرباء ◾️الغربة الموحشة قال ابن القيم - رحمه الله -: "فأهل الإسلام في النّاس غرباء، والمؤمنون في أهل الإسلام غرباء، وأهل العلم في المؤمنين غرباء، وأهل السّنّة الّذين يميّزونها من الأهواء والبدع فهم غرباء، والدّاعون إليها الصّابرون على أذى المخالفين هم أشدّ هؤلاء غربة، ولكنّ هؤلاء هم أهل اللّه حقّا، فلا غربة عليهم، وإنّما غربتهم بين الأكثرين، الّذين قال اللّه عزّ وجلّ فيهم: {وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ} [الأنعام]، فأولئك هم الغرباء من اللّه ورسوله ودينه، وغربتهم هي الغربة الموحشة". [مدارج السالكين] ◾️ هم أهل الله حقا! وقال أيضا: "غربة أهل اللّه وأهل سنّة رسوله بين هذا الخلق، وهي الغربة الّتي مدح الرسول - ﷺ - أهلها، وأخبر عن الدّين الّذي جاء به: أنّه بدأ غريبا وأنّه سيعود غريبا كما بدأ وأنّ أهله يصيرون غرباء. وهذه الغربة قد تكون في مكان دون مكان، ووقت دون وقت، وبين قوم دون قوم، ولكنّ أهل هذه الغربة هم أهل اللّه حقّا، فإنّهم لم يأووا إلى غير اللّه، ولم ينتسبوا إلى غير رسوله - ﷺ -، ولم يدعوا إلى غير ما جاء به، وهم الّذين فارقوا النّاس أحوج ما كانوا إليهم. ومن هؤلاء الغرباء: من ذكرهم أنس في حديثه عن النّبيّ - ﷺ -: (ربّ أشعث أغبر، ذي طمرين لا يؤبه له، لو أقسم على اللّه لأبرّه)، وفي حديث أبي إدريس الخولانيّ، عن معاذ بن جبل، عن النّبيّ - ﷺ - قال: (ألا أخبركم عن ملوك أهل الجنّة؟) قالوا: بلى يا رسول اللّه. قال: (كلّ ضعيف أغبر ذي طمرين لا يؤبه له لو أقسم على اللّه لأبرّه)، وقال الحسن: المؤمن في الدّنيا كالغريب لا يجزع من ذلّها، ولا ينافس في عزلها، للنّاس حال وله حال، النّاس منه في راحة وهو من نفسه في تعب". [مدارج السالكين] ◾️ غربة بعض شرائع الإسلام قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "وقد تكون الغربة في بعض شرائعه وقد يكون ذلك في بعض الأمكنة، ففي كثير من الأمكنة يخفى عليهم من شرائعه ما يصير به غريبا بينهم لا يعرفه منهم إلّا الواحد بعد الواحد، ومع هذا فطوبى لمن تمسّك بتلك الشّريعة كما أمر اللّه ورسوله" [مجموع الفتاوى] وصدق - رحمه الله -، فهذه شريعة الجهاد التي شوهت في زماننا، وصار أهلها أشد الناس غربة، فقد تكالب عليهم العدو بكل ملله ونحله وحوربوا حربا شعواء تواطأ فيها المنافقون والمرتدون ممن ينتسبون للإسلام زورا، حتى أضحت هذه العبادة جريمة لا فريضة!، ووصم أهلها بأبشع الألفاظ والأوصاف تحذيرا وتنفيرا، فالمجاهدون اليوم هم أشد الناس غربة، فطوبى لكم أيها المجاهدون!. ◾️ لماذا عزَّ مقام الغرباء؟ قال ابن القيم - رحمه الله -: "وهذا الأجر العظيم إنّما هو لغربته بين النّاس، والتّمسّك بالسّنّة بين ظلمات أهوائهم وآرائهم. فهو غريب في دينه لفساد أديانهم، غريب في تمسّكه بالسّنّة لتمسّكهم بالبدع، غريب في اعتقاده لفساد عقائدهم، غريب في صلاته لسوء صلاتهم، غريب في طريقه لضلال وفساد طرقهم، غريب في نسبته لمخالفة نسبهم، غريب في معاشرته لهم؛ لأنّه يعاشرهم على ما لا تهوى أنفسهم. وبالجملة: فهو غريب في أمور دنياه وآخرته لا يجد من العامّة مساعدا ولا معينا فهو عالم بين جهّال، صاحب سنّة بين أهل بدع، داع إلى اللّه ورسوله بين دعاة إلى الأهواء والبدع، آمر بالمعروف ناه عن المنكر بين قوم المعروف لديهم منكر والمنكر معروف". [مدارج السالكين] ◾️ وصية نبوية عند الغربة ونختم مقالنا بهذه الوصية النبوية الجامعة المانعة فعن العرباض بن سارية - رضي الله عنه - قال: "صلى بنا رسول الله - ﷺ - الصبح ذات يوم، ثم أقبل علينا، فوعظنا موعظة بليغة، ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، فقال قائل: يا رسول الله، كأن هذه موعظة مودع، فأوصنا، فقال: (أوصيكم بتقوى اللّه، والسّمع والطّاعة، وإن كان عبدا حبشيّا، فإنّه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنّتي وسنّة الخلفاء الرّاشدين المهديّين، تمسّكوا بها، وعضّوا عليها بالنّواجذ، وإيّاكم ومحدثات الأمور، فإنّ كلّ محدثة بدعة، وكلّ بدعة ضلالة)" [أبو داود]. • مقتطف من مقال صحيفة النبأ العدد "455" الخميس 4 صفر 1446 هـ

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً