التعليق على نونية ابن القيم - إظهار أن مذهب أهل السنة هو الحق مقارنة بغيره

منذ 2001-08-29
يشرح الشيخ ابن عثيمين رحمة الله عليه قول الناظم ابن القيم رحمه الله :

ولذا خلعنا ربقة الاديان من ***** أعناقنا في سالف الازمان

ولنا ملوك قاوموا الرسل الالى ***** جاءوا باثبات الصفات كمان

في آل فرعون وقارون وها ***** مان ونمروذ وجنكيز خان

ولنا الأئمة كالفلاسفة الألى ***** لم يعبؤوا أصلا بذي الأديان

منهم أرسطو ثم شيعته إلى ***** هذا الأوان وعند كل أوان

ما فيهم من قال إن الله فو ***** ق العرش خارج هذه الأكوان

كلا ولا قالوا بأن إلهنا ***** متكلم بالوحي والقرآن

ولأجل هذا رد فرعون على ***** موسى ولم يقدر على الأيمان

إذ قال موسى ربنا متكلم ***** فوق السماء وأنه ناداني

وكذا ابن سينا لم يكن منكم ولا ***** أتباعه بل صانعوا بدهان

وكذلك الطوسي لما أن غدا ***** ذا قدرة لم يخش من سلطان

قتل الخليفة والقضاة وحاملي ***** القرآن والفقهاء في البلدان

إذ هم مشبهة مجسمة وما ***** دانو أبدين أكابر اليونان

ولنا الملاحدة الفحول أئمة التـ ***** عطيل والتشبيه آل سنان

ولنا تصانيف بها غاليتم ***** مثل ( الشفا ) و ( رسائل الاخوان )

وكذا الاشارات التي هي عندكم ***** قد ضمنت لقواطع البرهان

قد صرحت بالضد مما جا ***** ء في التوراة والإنجيل والفرقان

هي عندكم مثل النصوص وفوقها ***** في حجة قطيعة وبيان

وإذا تحاكمنا فإن إليهم ***** يقع التحاكم لا إلى القرآن

إذ قد تساعدنا بأن نصوصه ***** لفظية عزلت عن الأيقان

فلذلك حكمنا عليه وأنتم ***** قول المعلم أولا والثاني

يا ويح جهم وابن درهم والألى ***** قالوا بقولهما من الخوران

بقيت من التشبيه فيه بقية ***** نقصت قواعده من الأركان

ينفي الصفات مخافة التجسيم لا ***** يلوي على خبر ولا قرآن

ويقول إن الله يسمع أو يرى ***** وكذاك يعلم سر كل جنان

ويقول إن الله قد شاء الذي ***** هو كائن من هذه الأكوان

ويقول إن الفعل مقدور له ***** والكون ينسبه إلى الحدثان

وبنفيه التجسيم يصرخ في الورى ***** والله ما هذان متفقان

لكننا قلنا محال كل ذا ***** حذرا من التشبيه والامكان


فصل
في قدوم ركب الأيمان وعسكر القران

وأتى فريق ثم قال ألا اسمعوا ***** قد جئتكم من مطلع الأيمان

من أرض طيبة من مهاجر أحمد ***** بالحق والبرهان والتبيان

سافرت في طلب الإله فدلني إلهادي ***** عليه ومحكم القرآن

مع فطرة الرحمن جل جلاله ***** وصريح عقلي فاعتلى ببيان

فتوافق الوحي الصريح وفطرة الرحمن ***** والمعقول في إيمان

شهدوا بأن الله جل جلاله ***** متفرد بالملك والسلطان

وهو الإله الحق لا معبود الا ***** وجهه الاعلى العظيم الشان

بل كل معبود سواه فباطل ***** من عرشه حتى الحضيض الداني

وعبادة الرحمن غاية حبه ***** مع ذل عابده هما قطبان

وعليهما فلك العبادة دائر ***** ما دار حتى قامت القطبان

ومداره بالامر أمر رسوله ***** لا بإلهوى والنفس والشيطان

فقيام دين الله بالاخلاص ***** والإحسان إنهما له أصلان

لم ينج من غضب الإله وناره ***** الا الذي قامت به الاصلان

والناس بعد فمشرك بإلهه ***** أو ذو ابتداع أوله الوصفان

والله لا يرضى بكثرة فعلنا ***** لكن بأحسنه مع الأيمان

فالعارفون مرادهم إحسانه ***** والجاهلون عموا عن الإحسان

وكذاك قد شهدوا بأن الله ذو ***** سمع وذو بصر هما صفتان

وهو العلي يرى ويسمع خلقه ***** من فوق عرش فوق ست ثمان

فيرى دبيب النمل في غسق الدجى ***** ويرى كذاك تقلب الاجفان

وضجيج أصوات العباد بسمعه ***** ولديه لا تتشابه الصوتان

وهو العليم بما يوسوس عبده ***** في نفسه من غير نطق لسان

بل يستوي في علمه الداني مع ***** القاصي وذو الاسرار والاعلان

وهو العليم بما يكون غدا وما ***** قد كان والمعلوم في ذا الآن

وبكل شيء لم يكن لو كان كيـ ***** ف يكون موجودا لذي الأعيان

وهو القدير فكل شيء فهو ***** مقدور له طوعا بلا عصيان

وعموم قدرته تدل بأنه ***** هو خالق الافعال للحيوان

هي خلقه حقا وأفعال لهم ***** حقا ولا يتناقض الامران

لكن أهل الجبر والتكذيب بال ***** أقدار ما انفتحت لهم عينان

نظروا بعيني أعور إذ فاتهم ***** نظر البصير وغارت العينان

فحقيقة القدر الذي حار الورى ***** في شأنه هو قدرة الرحمن

واستحسن ابن عقيل ذا من أحمد ***** لما حكاه عن الرضى الرباني

قال الامام شفا القلوب بلفظه ***** ذات اختصار وهي ذات بيان

وله الحياة كما لها فلأجل ذا ***** ما للممات عليه من سلطان

وكذلك القيوم من أوصافه ***** ما للمنام لديه من غشيان

وكذاك أوصاف الكمال جميعها ***** ثبتت له ومدارها الوصفان

فمصحح الأوصاف والافعال وال ***** أسماء حقا ذانك الوصفان

ولاجل ذا جاء الحديث بأنه ***** في آية الكرسي وذي عمران

اسم الإله الاعظم اشتملا على اسم ***** الحي والقيوم مقترنان

فالكل مرجعها إلى الاسمين يد ***** ري ذاك ذو بصر بهذا الشان

وله الارادة والكراهة والرضى ***** وله المحبة وهو ذو الإحسان

وله الكمال المطلق العاري عن ***** التشبيه والتمثيل بالانسان

وكمال من أعطى الكمال بنفسه ***** أولى وأقدم وهو أعظم شان

أيكون قد أعطى الكمال ومإله ***** ذاك الكمال إذاك ذو إمكان

أيكون إنسان سميعا مبصرا ***** متكلما بمشيئة وبيان

وله الحياة وقدرة وإرادة ***** والعلم بالكلي والأعيان

والله قد أعطاه ذاك وليس هذا ***** وصفه فاعجب من البهتان

بخلاف نوم العبد ثم جماعه ***** والاكل منه وحاجة الابدان

إذ تلك ملزومات كون العبد مح ***** تاجا وتلك لوازم النقصان

وكذا لوازم كونه جسدا نعم ***** ولوازم الاحداث والامكان

يتقدس الرحمن جل جلاله ***** عنها وعن أعضاء ذي جثمان

والله ربي لم يزل متكلماً ***** وكلامه المسموع بالإذان

صدقاً وعدلاً أحكمت كلماته ***** طلباً وإخباراً بلا نقصان

ورسوله قد عاذ بالكلمات من ***** لدغ ومن عين ومن شيطان

أيعاذ بالمخلوق حاشاه من ال ***** إشراك وهو معلم الأيمان

بل عاذ بالكلمات وهي صفاته ***** سبحانه ليست من الأكوان

وكذلك القرآن عين كلامه ال ***** مسموع منه حقيقة ببيان

هو قول ربي كله لا بعضه ***** لفظا ومعنى ما هما خلقان

تنزيل رب العالمين وقوله ***** اللفظ والمعنى بلا روغان

لكن أصوات العباد وفعلهم ***** كمدادهم والرق مخلوقات

فالصوت للقاري ولكن الكلا ***** م كلام رب العرش ذي الإحسان

هذا إذا ما كان ثم وساطة ***** كقراءة المخلوق للقرآن

فإذا انتفت تلك الوساطة مثلما ***** قد كلم المولود من عمران

فهنالك المخلوق نفس السمع لا ***** شيء من المسموع فافهم ذان

هذي مقالة أحمد ومحمد ***** وخصومهم من بعد طائفتان

إحداهما زعمت بأن كلامه ***** خلق له ألفاظه ومعان

والآخرون أبوا وقالوا شطره ***** خلق وشطر قام بالرحمن

زعموا القران عبارة وحكاية ***** قلنا كما زعموه قرآنان

هذا الذي نتلوه مخلوق كما ***** قال الوليد وبعده الفئتان

والآخر المعنى القديم فقائم ***** بالنفس لم يسمع من الديان

والامر عين النهي واستفهامه ***** هو عين اخبار وذو وحدان

وهو الزبور وعين توارة وان ***** جيل وعين الذكر والفرقان

الكل شيء واحد في نفسه ***** لأيقبل التبعيض في الاذهان

ما إن له كل ولا بعض ولا ***** حرف ولاعربي ولا عبراني

ودليلهم في ذاك بيت قاله ***** فيما يقال الاخطل النصراني

يا قوم قد غلط النصارى قبل في ***** معنى الكلام وما اهتدوا لبيان

ولاجل ذا جعلوا المسيح إلههم ***** اذ قيل كلمه خالق رحمان

ولأجل ذا جعلوه ناسوتا ولا ***** هوتا قديما بعد متحدان

ونظير هذا من يقول كلامه ***** معنى قديم غير ذي حدثان

والشطر مخلوق وتلك حروفه ***** ناسوته لكن هما غيران

فانظر إلى ذا الإتقان فانه ***** عجب وطالع سنة الرحمن

محمد بن صالح العثيمين

كان رحمه الله عضواً في هيئة كبار العلماء وأستاذا بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية

  • 9
  • 0
  • 16,603
الدرس السابق
إثبات العلو ، الرد على الفلاسفة
الدرس التالي
مذاهب الناس في كلام الله عز وجل

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً