من صفات علماء السوء [3/3] • خامساً: التأثُّر بالتخذيل والإرجاف والتهديد، والحَيْدة عن الحق ...

من صفات علماء السوء

[3/3]
• خامساً: التأثُّر بالتخذيل والإرجاف والتهديد، والحَيْدة عن الحق بسببه

وهذا أيضاً من صفات علماء السوء: الرجوع عن الحق بعد تيقُّنه وإظهار الباطل انصياعاً وخنوعاً لأهواء الطواغيت كي تسلم لهم دنياهم، فما أعظمها من جريمة! وما أشدَّها من خيانة!

كما في قصة بلعام بن باعوراء وهُوَ رجل من مَدِينَة الجبارين، لو اجتمع علماء السوء في زماننا كلهم ما بلغوا عُشْرَ علم بلعام، إذ قال ابن عباس -رضي الله عنهما- عنه: «وكان يعلم اسمَ الله الأكبر» [تفسير ابن أبي حاتم]، ما يشير إلى مرتبة عالية في العلم، وقال بعض السلف: «كان مُجاب الدعوة ولا يسأل اللهَ شيئا إلاّ أعطاه إياه...» ومع هذا فلما زاغ عن المنهج، وراغ عن الحق الأبْلج، شُبِّه بالكلب!

وذلك أن موسى -عليه السلام- لما نزل بالجبارين، أتى بلعامَ بنو عمه وقومه فقالوا: «إن موسى رجل جديد، ومعه جنود كثيرة وإنّه إن يظهر علينا يهلكنا، فادع الله أن يرد عنا موسى ومن معه»؛ قال: «إني إن دعوت الله أن يرد موسى ومن معه ذهبت دنياي وآخرتي»، فلم يزالوا به حتى دعا عليهم، فسلخ ما كان عليه [تفسير ابن أبي حاتم]، قال الله تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آَتَيْنَاهُ آَيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ} [الأعراف: 175-176].

فبلعام {أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ} سكن إلى الدنيا وإلى ملذاتها، معرضاً عن آيات الله، حتى غلب عليه هواه كالكلب لاهثاً أبداً.

عن مجاهد قال: «مثل الذي يقرأ الكتاب ولا يعمل بما فيه» [تفسير الطبري]، وقال القرطبي: «وهذا المثل في قول كثير من أهل العلم بالتأويل عام في كل من أوتي القرآن فلم يعمل به» [تفسير القرطبي]، وما أكثرهم في زماننا.

وهذه بعض الصفات التي بيّنها الله تعالى لعلماء السوء ليفضحهم، ويذكّر عباده باجتنابهم، وعدم السماع منهم، أو الأخذ عنهم، ونجد أنه -سبحانه- ذكر وصفهم ولم يسمّهم بالعلماء رغم معرفتهم بأحكام الله، ولكنهم لما فقدوا الخشية من الله، وتركوا العمل بما عرفوا، لم ينفعهم علمهم، بل كان سببا في لعنهم في الدنيا والآخرة، ووصفهم بأبشع الأوصاف، وإدخالهم في نار جهنم، بل وجعل الله اتباع الأحبار والرهبان -وهم سلف علماء السوء المحرّفين لدين الله- وطاعتهم في كفرهم شركا أكبر مخرجا من الملة، كما قال تعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَٰهًا وَاحِدًا لَّا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [التوبة: 31]، فلا يُعذر أحد في كفره بتقليده لعلماء الطواغيت، بل الواجب على كل إنسان أن يجتهد في طلب الحق والعمل به، والحمد لله رب العالمين.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 48
الثلاثاء 25 ذو الحجة 1437 ه‍ـ

• لقراءة المقال كاملاً، تواصل - تيليغرام:
@wmc111at
...المزيد

من صفات علماء السوء [2/3] ثالثاً: الصّدّ عن سبيل الله إن عالم السوء بسلوكه طريق الضلال ...

من صفات علماء السوء

[2/3]
ثالثاً: الصّدّ عن سبيل الله

إن عالم السوء بسلوكه طريق الضلال والفساد يحرص أشد الحرص على أطر الناس على طريقه وصدهم عن طريق الحق، إذ يخشى أن يُكذِّب فعلُه قولَه إن أظهر للناس الآيات الشرعية دون تلبيس وتدليس، فيعمد إلى التحريف وليّ النصوص ليكون الأمر موافقاً لحاله وهواه، فلذلك تجده يصدّ الشباب عن الجهاد لأنه راكنٌ إلى الدنيا مفتونٌ بالقعود، ولأنه يخشى من الصدع بالحق تراه يلبّس الحق بالباطل ويجعل ذلك أصل دعوته؛ ويظهره على أنه عين الحكمة والكياسة، فلا هو أظهر الحق، ولا هو كتمه واكتفى، بل لبّس وألْبَس، وراغ ودلّس، فقال على الله بغير علم ليصد عن سبيل الله كما فعلت من قبل الأحبار والرهبان، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [التوبة: ٣٤].

رابعاً: الحِرْصُ الشديد على الدنيا

ما ألجأ علماء السوء إلى إخفائهم الحق وتلبيسهم إلا حب الدنيا والحرص عليها، ولم يُلزمهم أحد أو يكرههم على النفاق والكذب على الله والكفر، بل حرصهم على وظائف الطواغيت ورواتبها أكثر ما تسبب لهم بذلك، فدافِعُ بعضهم هو الحرص على الجاه والقرب من السلاطين، وبعضهم غرّهم خروجهم في الشاشات وما يُعْطَونه مِن أعطيات! فثقُل عليهم الاحتجاب القسري عن الشهرة والأضواء بسبب كلمة حق! فآثَرَ أن يكتم مَا أَنزَلَ اللّهُ -مما لا يريد الطواغيت إظهاره للناس- واشترى به ثمناً قليلاً، وقد قال الله سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [البقرة: ١٧٤]، وقال تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ} [آل عمران: ١٨٧]، وقال ابن القيم: «كل من آثر الدُّنْيَا من أهل الْعلم واستحبها فَلَا بُد أَن يَقُول على الله غير الحق» [الفوائد].

• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 48
الثلاثاء 25 ذو الحجة 1437 ه‍ـ

• لقراءة المقال كاملاً، تواصل - تيليغرام:
@wmc111at
...المزيد

من صفات علماء السوء [1/3] كنا قد بيّنّا في مقالة سابقة المفهوم الصحيح لمسمى أولي العلم وذكرنا ...

من صفات علماء السوء

[1/3]
كنا قد بيّنّا في مقالة سابقة المفهوم الصحيح لمسمى أولي العلم وذكرنا أهم الخصائص التي صاروا بها أئمة في الدين، وبان من خلال الشرع أن علماء السوء والضلالة لا يدخلون أبداً في زمرة العلماء مهما حفظوا وصنّفوا، ومهما ذاع صيتهم، بل هم أشبه باليهود الذين علموا ثم كتموا وما عملوا بل ودعوا إلى الضلال، ولكثرة علماء السوء في زماننا الذين دأبوا على تضليل عباد الله فلا بد من ذكر صفاتهم ليكون الناس على بينة من الأمر.

• أولاً: كتمان الحق

إنّ منْ غايات العلم بثّه وبيانه للناس لتعلّق هدايتهم ومصالحهم به، فكان كتمانه وعدم إظهاره من أعظم المحرمات، وأشد الموبقات، ولذلك أخذ الله الميثاق على كل من أعطاه الكتب وعلمه العلم، أن يبين للناس ولا يكتم ما يحتاجون إليه، قال الله تعالى: {وإذْ أخذ اللّه ميثاق الّذين أوتوا الْكتاب لتبيّننّه للنّاس ولا تكْتمونه فنبذوه وراء ظهورهمْ واشْتروْا به ثمنًا قليلًا فبئْس ما يشْترون} [آل عمران: ١٨٧].

فكان عالم السوء خائناً لدين الله كافراً بنعمة العلم متسببّاً في ضلال الناس، ولذلك قضى الله بلعنه، وجعل لعنة الناس عليه؛ لسعيه في غشّ الخلْق بكتْمان الحق عنهم، قال الله تعالى: {إنّ الّذين يكْتمون ما أنزلْنا من الْبيّنات والْهدىٰ من بعْد ما بيّنّاه للنّاس في الْكتاب أولٰئك يلْعنهم اللّه ويلْعنهم اللّاعنون} [آل عمران: 159].

وإنّ أعظم ما كتمه علماء السوء عن الناس، بيان حال الطواغيت وحكم الله فيهم، إذ قد أمرنا الله باجتناب الطواغيت والكفر بهم، وجعل هذا من أصل التوحيد والإيمان، فلما رأى الناس علماءهم المبرّزين يداهنون الحكام الطواغيت ويصمتون عن شركهم وفسادهم، بل يفتون بجواز الشرك للمصلحة، صار كثير منهم يؤمنون بالطواغيت، ويوالونهم، ويدخلون في دينهم، بل صاروا جنداً لهم، وسبب هذه الردّة كلها كتمان علماء السوء الحقّ ولبْسهم إياه بالباطل.

فالناظر إلى جزيرة العرب مثلاً يجد أن آل سلول ما تجرّؤوا على إظهار كثيرٍ من الكفر والفساد، وما اتّبعهم فئام من الناس على الردة إلا بسبب هيئة كبار العملاء وابن باز وابن عثيمين والفوزان وآل الشيخ المعاصرين وأمثالهم... وذلك بسبب كتْم هؤلاء الحق وعدم تبيينهم حال آل سلول للناس، بل زيادةً في التلبيس: وصفوهم بـ «ولاة الأمر»، وزعموا أنّهم أئمة شرعيّون!

وكتموا عن الخلق حكم المراسيم التشريعية الطاغوتية وحكم إقامة القواعد الصليبية في البلاد وحكم استحلال الربا... فانخدع كثير من الناس بهم، وضلّوا، وارتدوا، فكان لهم نصيب من وزر من تبعهم من الناس، دون أن ينقص من أوزار الأتباع شيئا.

وعين الحال في مصر فسبب ضلال الناس واتباعهم لحسني مبارك ثم السيسي هو شيوخ الأزهر ومدّعو «السلفية»، وكذا سبب ولوج الناس في شرك البرلمانات والانتخابات هم طواغيت الإخوان المرتدين وحزب الظلام، وهذه الصورة نجدها في سائر البلاد.

• ثانياً: التبديل والتحريف في الشرع

ومن سمات علماء السوء أنهم يبدّلون الشرع ويحرّفونه -إن لم يستطيعوا كتمانه- بتأويلات فاسدة للنصوص الشرعية، وصرْفها عن معناها الحق إلى معنى باطل، كما قال تعالى عن اليهود: {يحرّفون الْكلم عنْ مواضعه} [النساء: ٤٦].
ثم ينسبون هذا التحريف والتأويل الباطل إلى الله سبحانه، فهم يحرّفون المعاني المرادة من النصوص إلى معانٍ باطلة ويوهمون الناس أن هذا هو المراد من كتاب الله، فيكون لهم بذلك نفي المعنى الحق، وإثبات المعنى الباطل، وسلفهم في ذلك اليهود الذين دأبوا على نسبة تحريفهم النصوص لله تعالى، كما قال سبحانه: {وإنّ منْهمْ لفريقًا يلْوون ألْسنتهمْ بالْكتاب لتحْسبوه من الْكتاب وما هو من الْكتاب ويقولون هو منْ عنْد اللّه وما هو منْ عنْد اللّه ويقولون على اللّه الْكذب وهمْ يعْلمون} [آل عمران: 78].

فالنصوص الشرعية الآمرة بالجهاد دأب علماء السوء إلى تحريف معناها القتالي إلى معان أخرى، ليصرفوا الناس عن قتال الكفرة والمرتدين، وفوق ذلك ابتدعوا للجهاد معاني ما أنزل الله بها من سلطان، بل هي تناقض حقيقة الجهاد، كزعمهم أن الجهاد هو الانتساب إلى جيوش الطواغيت، أو الدخول في العملية الديموقراطية الشركية لمنافسة العلمانيين على منازعة الله في حكمه وتشريعه للأحكام، وغير ذلك من الأفعال المخرجة من الملة التي يحاول أولئك الملاعين إلصاقها بذروة سنام الإسلام.

وكذا النصوص الشرعية الآمرة بالصدع بالحق عمد علماء السوء إلى تعطيلها وعدم العمل بها زاعمين أن الله أمر بذلك! مستدلين بقوله سبحانه: {ولا تلْقوا بأيْديكمْ إلى التّهْلكة} [البقرة: 195].
مع أن المقصود بالتهلكة ترك الجهاد، كما بيّن ذلك الصحابي أبو أيوب الأنصاري -رضي الله عنه- إذ قال: «فالإلقاء بالأيدي إلى التهلكة: أن نقيم في أموالنا ونصلحها وندع الجهاد» [رواه أبو داود]، فما أقْبح علماء السوء وما أقبح تلبيسهم!


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 48
الثلاثاء 25 ذو الحجة 1437 ه‍ـ

• لقراءة المقال كاملاً، تواصل - تيليغرام:
@wmc111at
...المزيد

وبِالْوالِديْنِ إِحْسانًا [2/2] فبر الوالدين، والامتناع عن عقوقهما والتعدي عليهما، حق واجب على ...

وبِالْوالِديْنِ إِحْسانًا

[2/2]
فبر الوالدين، والامتناع عن عقوقهما والتعدي عليهما، حق واجب على كل مسلم، ولا يمنع من أداء هذا الحق إليهما كونهما من عصاة المسلمين الذين يرتكبون الذنوب والآثام، مع بقائهما على التوحيد، بل ولا كونهما من المشركين بالله -من غير المرتدين والكفرة المحاربين- فعن أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنهما- قالت: «قدمتْ عليّ أمي وهي مشركة في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فاستفتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قلت: وهي راغبة، أفأصل أمّي؟ قال: (نعم صلي أمّك) [متفق عليه]، وقد قال بعض أهل التفسير إن آية: {لا ينْهاكُمُ اللّهُ عنِ الّذِين لمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ ولمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أنْ تبرُّوهُمْ وتُقْسِطُوا إِليْهِمْ إِنّ اللّه يُحِبُّ الْمُقْسِطِين} [الممتحنة: 8]، نزلت في أسماء وأمها.

ولكن وجوب بر الوالدين ومصاحبتهما في الدنيا بالمعروف، لا يعنيان بحال موافقتهما في شركهما أو طاعتهما في معصية الله -عز وجل- والعياذ بالله، بل يبرأ المسلم من والديه المشركين وما هما عليه من الشرك، كما فعل إمام الموحدين إبراهيم -عليه السلام- قال تعالى: {وما كان اسْتِغْفارُ إِبْراهِيم لِأبِيهِ إِلّا عنْ موْعِدةٍ وعدها إِيّاهُ فلمّا تبيّن لهُ أنّهُ عدُوٌّ لِلّهِ تبرّأ مِنْهُ إِنّ إِبْراهِيم لأوّاهٌ حلِيمٌ} [التوبة: 114]، ويخالفان في دعوتهما إلى الشرك بالله، كما أمر سبحانه: {وإِنْ جاهداك على أنْ تُشْرِك بِي ما ليْس لك بِهِ عِلْمٌ فلا تُطِعْهُما} [لقمان: 15]، ومثله الأمر بعدم طاعتهما فيما فيه معصية لله جل جلاله، لقول النبي، صلى الله عليه وسلم: (لا طاعة لمخلوق في معصية الله) [رواه أحمد].
فعن أبي عثمان: أن سعدا قال: «نزلت هذه الآية فيّ: {وإِنْ جاهداك على أنْ تُشْرِك بِي ما ليْس لك بِهِ عِلْمٌ فلا تُطِعْهُما} [لقمان: 15]، قال: كنت برا بأمي، فلما أسلمت، قالت: يا سعد! ما هذا الدين الذي قد أحدثت؟ لتدعن دينك هذا، أو لا آكل، ولا أشرب حتى أموت، فتُعيّر بي، فيقال: يا قاتل أمه، قلت: لا تفعلي يا أمه، إني لا أدع ديني هذا لشيء، فمكثت يوما لا تأكل ولا تشرب وليلة، وأصبحت وقد جهدت، فلما رأيت ذلك، قلت: يا أمه! تعلمين -والله- لو كان لك مائة نفس، فخرجت نفسا نفسا، ما تركت ديني، إن شئت فكلي أو لا تأكلي، فلما رأت ذلك، أكلتْ» [سير أعلام النبلاء].

وإننا لنعلم أن بعض الآباء والأمهات يصدون أبناءهم عن الجهاد في سبيل الله، ويمنعونهم من الهجرة إلى ديار الإسلام، ويهددونهم بالغضب عليهم إن خالفوا أوامرهم في ذلك، والجواب على ذلك أن لا طاعة على الابن لهما في ذلك، بل الواجب عليه أن يهاجر ويجاهد في سبيل الله، ليؤدي ما عليه من حق لله تعالى، فحقوقه سبحانه مقدمة على حقوق العباد، مع استمرار البر لهما، والدعاء لهما بالهداية.

وإن من أعظم البر للوالدين دعوتهما إلى الحق وترك المعاصي والذنوب، باللين والموعظة الحسنة، مع التزام جانب الإحسان في التعامل معهما، لأن ذلك من أهم موجبات قبولهما الدعوة، قال تعالى: {ادْعُ إِلى سبِيلِ ربِّك بِالْحِكْمةِ والْموْعِظةِ الْحسنةِ وجادِلْهُمْ بِالّتِي هِي أحْسنُ} [النحل: 125]، والرفق ما كان في شيء إلا زانه، فالكلمة الطيبة وقعها في النفوس طيب جميل الأثر، فلا ينبغي التكبر عليهما في دعوتهما ولا مسبّتهما في نصحهما.

وليجعل الأبناء نصب أعينهم هدي نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- في دعوة عمّه (الذي هو بمثابة الأب) حتى آخر لحظات حياته، فقد روى البخاري عن ابن المسيب، عن أبيه، أن أبا طالب لما حضرته الوفاة، دخل عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- وعنده أبو جهل، فقال: (أي عم، قل لا إله إلا الله، كلمة أحاج لك بها عند الله)، فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية: «يا أبا طالب، ترغب عن ملة عبد المطلب؟» فلم يزالا يكلمانه، حتى قال آخر شيء كلمهم به: «على ملة عبد المطلب»، فقال النبي، صلى الله عليه وسلم: (لأستغفرن لك، ما لم أُنْه عنه)، فنزلت: {ما كان لِلنّبِيِّ والّذِين آمنُوا أنْ يسْتغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِين ولوْ كانُوا أُولِي قُرْبى مِنْ بعْدِ ما تبيّن لهُمْ أنّهُمْ أصْحابُ الْجحِيمِ} [التوبة: 113]. ونزلت: {إِنّك لا تهْدِي منْ أحْببْت} [القصص: 56].
ومن الجدير بالمجاهد في سبيل الله أن يكون أبر الناس بأبويه، وأبعد الناس عن عقوقهما وإيذائهما، لأنه من أكثر الناس سعيا إلى تكميل إيمانه، الذي لا يمكن أن يكتمل مع ارتكاب كبيرة العقوق، وعليه أن يعلم أن جهاده وقتاله في سبيل الله لن يرفعا عنه إثم تضييع حقوق غيره عليه، وعلى رأسهم الوالدين، حتى وإن كان والداه من المعارضين لخروجه، خوفا عليه، أو حرصا على دنياه، فإن ذلك لا يمنعه من صلتهما، والإحسان إليهما، ودعوتهما إلى الحق، والدعاء لهما بالرحمة في الدنيا والآخرة ما داما على الإسلام.



• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 48
الثلاثاء 25 ذو الحجة 1437 ه‍ـ

• لقراءة المقال كاملاً، تواصل - تيليغرام:
@wmc111at
...المزيد

وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا [1/2] • قرن الله تعالى في مواضع كثيرة من كتابه العزيز بين طاعته ...

وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا

[1/2]
• قرن الله تعالى في مواضع كثيرة من كتابه العزيز بين طاعته وعدم الإشراك به وشكره وبين بر الوالدين والإحسان إليهما، كما في قوله سبحانه: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} [لقمان: 14]، فقرن بين شكره على نعمه، وشكر والديه على معروفهما، وقوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [البقرة: 83]، وقوله {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [الإسراء: 23]، فقرن سبحانه بين توحيده وعبادته والإحسان إلى الوالدين.

كما إن كثيرا من الأحاديث النبوية حثت على بر الوالدين، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: «جاء رجل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: (أمك)، قال: ثم من؟ قال: (ثم أمك)، قال: ثم من؟ قال: (ثم أمك)، قال: ثم من؟ قال: (ثم أبوك)» [متفق عليه].

وأخرج الشيخان في صحيحيهما من حديث عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: «سألت رسول الله، صلى الله عليه وسلم: أي العمل أحب إلى الله تعالى؟ قال: (الصلاة على وقتها)، قلت: ثم أي؟ قال: (بر الوالدين)، قلت: ثم أي؟ قال: (الجهاد في سبيل الله)».

وإن هذا البر الواجب بحق الوالدين يكون أوكد في حالة بلوغهما أو أحد منهما سن الكبر، وذلك لأن الإنسان إذا هرم زادت حاجته إلى من يعوله ويقوم على حوائجه، كما تزداد الحاجة إلى الصبر عليه لما يعتريه من ضعف في الفهم والعقل، كما قال تعالى: {وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلَا يَعْقِلُونَ} [يس: 68]، وقال سبحانه: {ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا} [الحج: 5].

ولذلك نجد أن الله تعالى قد خص حالة الكبر بالذكر، فقال: {إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} [الإسراء: 23-24]؛ قال القرطبي: «خص حالة الكبر لأنها الحالة التي يحتاجان فيها إلى بره لتغير الحال عليهما بالضعف والكبر، فألزم في هذه الحالة من مراعاة أحوالهما أكثر مما ألزمه من قبل، لأنهما في هذه الحالة قد صارا كلّا عليه، فيحتاجان أن يلي منهما في الكبر ما كان يحتاج في صغره أن يليا منه، فلذلك خص هذه الحالة بالذكر. وأيضا فطول المكث للمرء يوجب الاستثقال للمرء عادة ويحصل الملل ويكثر الضجر فيظهر غضبه على أبويه وتنتفخ لهما أوداجه، ويستطيل عليهما بدالة البنوة وقلة الديانة، وأقل المكروه ما يظهره بتنفسه المتردد من الضجر، وقد أُمر أن يقابلهما بالقول الموصوف بالكرامة، وهو السالم من كل عيب فقال: {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا} [الإسراء: 23]».

وإذا عُرف هذا، وجب على الابن البار الساعي لمرضاة ربه تعالى تجنب كل ما قد يسيء إلى والديه من قول أو فعل، وبذل ما في استطاعته في سبيل الإحسان إليهما ورد شيء من معروفهما عليه، وإن كان ذلك صعب الإدراك خاصة في جانب الأم التي برها آكد من بر الأب، والدليل أن خصّها الله تعالى بذكر أتعابها منذ الحمل وحتى الوضع والإرضاع، قال عز وجل: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} [لقمان: 14]، وقال أيضا: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف: 15]، وقد تقدم ذكر حديث «أمك ثم أمك ثم أمك».

وأما عقوق الوالدين فقد عدّه النبي -صلى الله عليه وسلم- من الكبائر؛ فعن عبد الرحمن بن أبي بكرة، عن أبيه -رضي الله عنه- قال: «قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (ألا أنبئكم بأكبر الكبائر)، قلنا: بلى يا رسول الله، قال: (الإشراك بالله، وعقوق الوالدين...)» الحديث [رواه البخاري].
ولما كان بر الوالدين سببا لدخول الجنة، فقد حذر النبي -صلى الله عليه وسلم- من مغبة إضاعة الولد حقوق والديه فيوصد بعقوقه لهما هذا السبب، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: «قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (رغم أنفه، ثم رغم أنفه، ثم رغم أنفه) قيل: من يا رسول الله؟ قال: (من أدرك والديه عند الكبر، أحدهما أو كليهما، ثم لم يدخل الجنة)» [رواه مسلم].


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 48
الثلاثاء 25 ذو الحجة 1437 ه‍ـ

• لقراءة المقال كاملاً، تواصل - تيليغرام:
@wmc111at
...المزيد

اخي صحيفة النبأ العدد 482 المقال الافتتاحي: في الأصل لا الحاشية! (١/٢) أمام الضجة الكبيرة ...

اخي صحيفة النبأ العدد 482
المقال الافتتاحي:
في الأصل لا الحاشية!

(١/٢)
أمام الضجة الكبيرة التي أثارها قرار طالبان منع "كتاب التوحيد" والصدمة التي أحدثها ذلك في الأوساط الجهادية الموالية لطالبان؛ لم يكن أمام الميليشيا إلا محاولة تبرير ذلك بترقيعٍ متداعٍ جاء معتمدًا بالكلّية على بثوث "فقهاء التراجعات" واستعارةً لوحي شياطينهم الذي لم يصمد أمام صواعق الحق المرسلة.

وكان لافتًا امتعاض الميليشيا من وصف البعض لها بـ "القبورية" والحقيقة أنّ هذا الوصف هو تقزيم لجرمها وتقنين لانحرافها، فالقبورية وما اتصل بها هي مشكلة عقدية واحدة من جملة مشاكل "الإمارة الجاهلية" التي بنت حكمها على الديمقراطية والاعتراف بالمواثيق الدولية والانخراط في "مكافحة الإرهاب" شأنها شأن أيّ حكومة مرتدة، كما ينبغي لطلاب التوحيد الحذر من حصر انحراف طالبان في "القبورية".

كما ينبغي الانتباه إلى أنّ آفة عصرنا اليوم ليست في "القبورية" كما كان عليه الحال في حقب تاريخية سابقة، بل آفة عصرنا في الحكم الديمقراطي الذي يساوي بين الخالق والشعب! ويجعل الأخير مصدرا للتشريع!، آفة عصرنا في تعطيل الشرع واستبداله بالدساتير الوطنية التي صارت منتهى غاية الجهاديين الثوريين وأمارة نجاح تجاربهم وثوراتهم!

ولعل من أقبح ما بررت به "الإمارة الديمقراطية" موقفها من كتاب التوحيد؛ نسبة القرار إلى "وزارة إعلامها" كإجراءٍ رسميٍّ قاسته على إجراءات وزارات إعلام "نظرائها" في حكومات الردة، وهي حتى في تبريرها هذا، لم تستطع أنْ تخرج عن عباءة الحكومات المرتدة والتزيّي بزيّها والتأسي بسياساتها قولا وفعلا، فأدانت نفسها من حيث لا تدري! ورسّخت ما تفانت لتنفيه عن نفسها، حتى أنها استعارت نفس "المبررات والعبارات" التي تدرجها حكومات الردة في بياناتها وتصدّرها مؤتمرات "مكافحة الإرهاب" بقولها: "إنّ ما ترفضه الإمارة أنْ يُستغل اسم الإسلام وتوحيد الله، لأغراض سياسية وحزبية وغيرها.." وكأنك تقرأ بيانا لوزارة الداخلية السلولية التي أضمرت "الإمارة" قياس موقفها بمنع الكتاب؛ بمواقف مشابهة لحكومة آل سلول، في طفرة حديثة تنسب السلفية وتُحاكمها إلى مواقف طواغيت آل سلول وبلاعمتهم، في حرب تشويه مقصودة مرصودة على العقيدة السلفية في زمن طغيان اللوثة الإخوانية التي ألجمت الحركات الجهادية إلجاما.

وكان من جملة ترقيع الإمارة لموقفها الجاهلي، تصريحها بأنّ مشكلتها كانت مع "حواش وزيادات رأت أن فيها غلوا وإفراطا، وليس لمخالفتها مضمون الكتاب أو معارضته لجوهره" وهو تبرير تلقّفته من جوقة "فقهاء التراجعات" الذين صنعتهم "الحوزة الخليجية" لتدوير الجهاديين الناكثين وإعادة استخدامهم في حرب المجاهدين!، وفات هؤلاء جميعا أنّ الحكم على طالبان لا يحتاج للنظر في كتاباتها وتبريراتها ولا استعاراتها، فسلوكها العملي على الأرض يكفي للحكم عليها.

والناظر لاحمرار وانتفاخ أوداج الإمارة الشيطانية وهي ترقّع حربها على التوحيد، يلحظ كيف خصّت بخطابها الدولة الإسلامية -التي تسمّيها بمسميات قاموس البنتاغون للمصطلحات الإعلامية- مع أنّ أطرافا كثيرة أخرى انبرت للرد على طالبان، بل إنّ الدولة الإسلامية لم تتطرق للأمر في إعلامها الرسمي قبل هذه اللحظة، ومع ذلك لم يثر حفيظة طالبان غير الدولة الإسلامية التي بمحاربتها؛ نالت الإمارة الوطنية -ومثلها الإدارة السورية- أوراق الاعتماد الدولية.

نعم، فما اعترف به خطاب "الإمارة" ونَطقه رغمًا عنها، أنّ الدولة الإسلامية رأس حربة في نصرة التوحيد، وهي المتن والحاشية والميمنة والميسرة والطليعة في الدفاع عنه، وتحت ظلاله وعلى عتباته جادت بخيرة أمرائها وجيوش أبنائها البررة الذين أمهروا التوحيد دماءهم وأفنوا لأجله زهرة شبابهم في السجون التي تتنافس وتتسابق "الإمارة والإدارة" لحراستها خدمة وتقرّبا لقيصر وأتاتورك!

أيها الدراويش الديمقراطيون، إن التوحيد الذي تحمله الدولة الإسلامية وتطبقه في عسرها ويسرها، هو الذي لأجله جلبتكم أمريكا إلى طاولة المؤامرات عليه، وأدخلتكم بيت الطاعة لحربه، إنه التوحيد الذي تترزقون به على الموائد الصليبية والدولية، بينما تدفع الدولة الإسلامية أثمانا أخدودية لحفظه ونصرته والموت تحت رايته عبيدا لله تعالى، فهذه هي الحرية وما عداها باطل.


• المصدر:
صحيفة النبأ – العدد 482
السنة السادسة عشرة - الخميس 14 شعبان 1446 هـ

• لقراءة المقال كاملاً، تواصل - تيليغرام:
@wmc111at
...المزيد

صحيفة النبأ العدد 482 المقال الافتتاحي: في الأصل لا الحاشية! (٢/٢) ومن جملة إخفاقات الإمارة ...

صحيفة النبأ العدد 482
المقال الافتتاحي:
في الأصل لا الحاشية!

(٢/٢)
ومن جملة إخفاقات الإمارة في ترقيع حربها على التوحيد، أنها جمعته في سياق واحد مع اعتراضها على إعلان "المحكمة الجنائية" فرض عقوبات بحق بعض قادتها، واستجدائها رفع "القيود السياسية المفروضة على حكومتها"، فهل هذا خطابُ كافرٍ بالمحكمة الدولية أم خاضع لها معتدٍّ بها متأثرٍ بتقييماتها؟! إنّ هذا نموذج واحد فقط لرسوب طالبان في اختبار التوحيد العملي بعيدا عن خدعة "الحواشي والزيادات" فمشكلتها مع "الأصل" لا الحاشية!

وإنّ التلويح الصليبي بفرض عقوبات على بعض قادة طالبان رغم كل قرابين الطاعة التي ذبحوها على النُّصب الأمريكية، هو أمر متوقع في سياق الابتزاز والضغط المتواصل، ضمن سياسة صليبية معروفة في "تعميد" الناكثين وامتحان ردتهم وتعميق هوّة انحرافهم، وسيتعمّق هذا الابتزاز ويمتد ليطال كل "الحكومات الجهادية" المرتدة مصداقا لقوله تعالى: {وَلَن تَرْضَىٰ عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ}، وإنّ ما يجهله هؤلاء أنّ مسك العصا من المنتصف بين الإسلام والكفر كفر بعينه، وأنّ التمايز لن يترك للرماديين موضع قدم، وأنّ القادم أسود أو أبيض شاء المتلونون أم أبوا، إنه دين الله تعالى وشرعه وتوحيده الذي لا يقبل القسمة على اثنين فما هو حق لله تعالى لن يكون حقا لغيره سبحانه.

وإنّ من جملة إخفاقات الميليشيا في معركة الترقيع قولها إنه "لو كان لديها مشكلة مع مفهوم توحيد الله بالعبادة، لما اكتظت مكاتب أفغانستان بكتب العقيدة الإسلامية!" وهل فرغت مكاتب آل سلول من كتب العقيدة الإسلامية ومتونها الأصلية وهم أعدى أعدائها وأئمة الكفر في حربها وتحريفها! {كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا}.

إنّ العقائد لا تحفظ في متون الكتب وبطونها، إنما تصونها الدماء -وتصون الدماء- في ميادين القتال والمراغمة، وترسم خارطة الطريق في الحكم والعلاقات والولاءات، يحتكم إليها المسلمون دوما وأبدا دون غيرها ولا يعدلون أو يخلطون بها سواها، ولا يستبدلونها بالشورى الأمريكية نعني "الديمقراطية".

إنّ شواهد حرب طالبان وأخواتها على التوحيد مستفيضة عملية في الميدان ولا يزيدها منع كتاب أو كتابين أو حذف سطر أو اثنين، ولا يغفره التمسّح بتضحيات الأفغانيين، بل من الخيانة لها أنْ تُمنح ثمرتها لحكومة ديمقراطية تحتكم لنفس الدساتير التي ينافح عنها طواغيت الحكم الجاهلي؛ {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ}.


المصدر:
صحيفة النبأ – العدد 482
السنة السادسة عشرة - الخميس 14 شعبان 1446 هـ

• لقراءة المقال كاملاً، تواصل - تيليغرام:
@wmc111at
...المزيد

المثبطون قال الله تعالى: {قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ وَالْقَائِلِينَ ...

المثبطون

قال الله تعالى:
{قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا (18)} [سورة الأحزاب]

"فوصف المثبطين عن الجهاد -وهم صنفان- بأنهم إما أن يكونوا في بلد الغزاة أو في غيره:
- فإن كانوا فيه عوقوهم عن الجهاد بالقول أو بالعمل أو بهما.
- وإن كانوا في غيره راسلوهم أو كاتبوهم: بأن يخرجوا إليهم من بلد الغزاة ليكونوا معهم بالحصون أو بالبعد..

• {فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُم بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ (19)}
وهذا السلق بالألسنة الحادة يكون بوجوه:

▪️ تارة يقول المنافقون للمؤمنين:
هذا الذي جرى علينا بشؤمكم؛ فإنكم أنتم الذين دعوتم الناس إلى هذا الدين وقاتلتم عليه وخالفتموهم؛ فإن هذه مقالة المنافقين للمؤمنين من الصحابة.

▪️ وتارة يقولون: أنتم الذين أشرتم علينا بالمقام هنا والثبات بهذا الثغر إلى هذا الوقت وإلا فلو كنا سافرنا قبل هذا لما أصابنا هذا.

▪️ وتارة يقولون: أنتم مع قلتكم وضعفكم تريدون أن تكسروا العدو وقد غركم دينكم كما قال تعالى: {إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ غَرَّ هَٰؤُلَاءِ دِينُهُمْ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}.

▪️ وتارة يقولون: أنتم مجانين لا عقل لكم تريدون أن تهلكوا أنفسكم والناس معكم.

▪️ وتارة يقولون: أنواعا من الكلام المؤذي الشديد."

[مجموع الفتاوى] لابن تيمية -رحمه الله-


• المصدر:
صحيفة النبأ – العدد 482
السنة السادسة عشرة - الخميس 14 شعبان 1446 هـ

• لقراءة الصحيفة، تواصل - تيليغرام:
@wmc111at
...المزيد

أمير ديوان الزكاة (نسأل الله أن يعيننا حتى نكفي حاجة كل فقراء المسلمين) موضحا لكثير من الجوانب ...

أمير ديوان الزكاة
(نسأل الله أن يعيننا حتى نكفي حاجة كل فقراء المسلمين)

موضحا لكثير من الجوانب عن فريضة الزكاة واداءها في الدولة الإسلامية.
ومبينا حقيقة العلاقة بين ديوان الزكاة وغيره من دوواينها.
وكاشفا لكيفية توزيع أسهم الزكاة على المستحقين.

- الدولة الإسلامية في حرب مع دول الشرك كلها، ألم يكن ممكنا تأجيل تطبيق الزكاة حتى الانتهاء من هذه الحرب؟


الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد
لقد شرع الله عز وجل الجهاد في سبيل الله لإقامة الدين، وجعل الزكاة من شروط التمكين الشرعي، قال تعالى (الذين إن مكنّاهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور)، فنحن لم نجاهد لمجرد الاستيلاء على الأرض، وامتلاك السلطة فيها، وإنما لنقيم فيها دين الله.

والمجاهدون إنما يرابطون على الجبهات ويبذلون دماءهم هناك وهم حريصون أن يروا شريعة الله تقام في الأرض التي يفتحونها كاملة غير منقوصة.

ونحن بإذن الله ما إن يمكننا الله من قطعة من الأرض مهما صغرت، ولو لفترة محدودة، فإننا سنطبق شرع الله فيها، فنقيم الصلاة ونؤتي الزكاة ونأمر بالمعروف وننهى عن المنكر، ولله عاقبة الأمور.

- وهل جباية الزكاة وتوزيعها من تطبيق الشريعة؟ الكثير من الناس يظنون أن ذلك ينحصر بفتح المحاكم التي تحكم بشرع الله، وتقيم الحدود على الجناة؟

كل ما بلغنا به رسول الله عليه الصلاة والسلام هو من شريعة الله، فما بالك بالزكاة التي هي أحد أركان الإسلام، قال رسول الله عليه الصلاة والسلام في حديث جبريل المشهور (الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلا)، فالمحاكم قد تمر عليها فترات طويلة دون أن تقضي في قضية واحدة إذا لما ترفع إليها خصومة، والحدود قد لا تقام لشهور أو سنوات إذا انصلح الناس ولم ينتهكوا حدود الله، ولكن الزكاة تقام في كل حال ما دام هناك أغنياء لديهم مال يتجاوز النصاب.
- ولماذا لا تتركون الناس يدفعون زكاة أموالهم بأنفسهم للفقراء؟ لماذا يتولى ديوان الزكاة مهمة جباية الزكاة من الأغنياء وأداءها للفقراء؟
لأن هذا هو الأصل في أداء الزكاة، أن يؤدي الأغنياء الزكاة للإمام، ويتولى هو ردّها على الفقراء، قال تعالى لإمام المسلمين عليه الصلاة والسلام (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها)، وفي وصيّة النبي عليه الصلاة والسلام لمعاذ بن جبل عندما أرسله إلى اليمن (فأخبرهم أن الله افترض عليهم زكاة في أموالهم تؤخذ من غنيهم فترد على فقيرهم فإذا أقروا بذلك فخذ منهم وتوق كرائم أموال الناس) فالنبي عليه الصلاة والسلام يأمر عامله أن يأخذ الزكاة من غنيهم ويردّها على فقيرهم، وكذلك لنا في فعل الصحابة سنّة حسنة، حيث قاتل الصحابة رضوان الله عليهم مانعي الزكاة لأنهم رفضوا أداءها، ولم يقروهم على أدائها بأيديهم، حتى قال أبو بكر رضي الله عنه (والله لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه لرسول الله لقاتلتهم عليه)، ومن كل ذلك يتبين أن أخذ الزكاة من الأغنياء وأداءها للفقراء إنما هو من مهام الإمام الذي هو خليفة المسلمين، أو من ينوب عنه في ذلك، وفي حال وجوده وتمكنه من أخذ الزكاة، فلا يجوز الافتئات عليه بالتصرف فيها.

وفي الدولة الإسلامية يقوم ديوان الزكاة نيابة عن أمير المؤمنين حفظه الله بالقيام على هذه الشعيرة العظيمة من شعائر الإسلام.

والجانب الآخر الذي يزيد من فرضية إشراف الديوان على أخذ الزكاة وأداءها هو كثرة الفقراء في أراضي الدولة الإسلامية وقلة الأغنياء، وخاصة بسبب الحرب وما تفرضها من تهجير للمسلمين وتدمير لممتلكاتهم وتعطيل لأشغالهم، وذلك إعراض الكثير من أغنياء المسلمين عن أداء زكاتهم كما ينبغي، فالبعض لا يؤدي زكاته إطلاقا، والبعض الآخر يؤخرها عن وقتها، وآخرون لا يؤدون كل ما عليهم منها، وهذا ما يحرم الفقراء من أخذ حقهم الذي كتبه الله لهم في أموال الأغنياء، لذلك يجتهد ديوان الزكاة في تحصيل هذا الحق بكل وسيلة مشروعة، من أجل إيصاله للفقراء، ومن أجل ضمان قيام المسلمين بهذه الفريضة.

فإذا وجد الإمام أن حاجة الفقراء والمساكين قد تم سدّها من أموال الزكاة أو من سواها، وأن المسلمين يؤدون هذه الفريضة، وأجاز لهم أداءها بأنفسهم وكلاء عنه، فعند ذلك يجب على من ملك النصاب أن يؤديها بنفسه إلى من يحتاجها، ونسأل الله أن يكون هذا اليوم قريبا، فيتحقق فينا وصف حال الأمة في آخر الزمان أن يطوف المسلم بصدقته فلا يجد من يأخذها منه.


◽ المصدر: صحيفة النبأ - العدد 31
الثلاثاء 10 شعبان 1437 ه‍ـ

مقتطف من:
حوار مع أمير ديوان الزكاة
...المزيد

أمير ديوان الزكاة (نسأل الله أن يعيننا حتى نكفي حاجة كل فقراء المسلمين) موضحا لكثير من الجوانب ...

أمير ديوان الزكاة
(نسأل الله أن يعيننا حتى نكفي حاجة كل فقراء المسلمين)

موضحا لكثير من الجوانب عن فريضة الزكاة واداءها في الدولة الإسلامية.
ومبينا حقيقة العلاقة بين ديوان الزكاة وغيره من دوواينها.
وكاشفا لكيفية توزيع أسهم الزكاة على المستحقين.

- بالنسبة للعلاقة مع باقي دوواين الدولة الإسلامية، وخاصة العلاقات المالية منها كيف تتم؟ وهل تشترك كلها في بيت مال واحد يوزع عليها احتياجاتها، وينقل بينها مستحقات كل منها على الآخر؟

دعنا نخصص الأمر بموضوع ديوان الزكاة، ولنترك كل ديوان يفصل في شؤونه الخاصة، فالزكاة كما بينا في الإجابات السابقة لها مصارف محدّدة تختلف عن باقي مصارف الدولة الإسلامية، وبناء على ذلك فإن أموال الزكاة لا تختلط بباقي أموالها، ولذلك لدينا بيت مال للزكاة منفصل تماما عن بيت مال المسلمين العام، سواء من حيث الواردات وهي الجبايات، أو الخارج وهو المال الموزع في مصارف الزكاة، وإن كان الأمر يتم تحت إشراف الإخوة اللجنة العامة المشرفة حفظهم الله، فهم ينوبون عن أمير المؤمنين في ذلك.

ولم يكن يخرج من بيت مال الزكاة إلى بيت مال المسلمين سوى سهم (في سبيل الله) وقد أعاده الإخوة إلينا لنصرفه على الفقراء والمساكين، بل وزادوا على ذلك أن تكفلوا بدفع جزء كبير من نفقات الديوان التي يفترض أن تدفع من سهم (العاملين عليها) لتوفير المال للفقراء والمساكين.
وقد ذكرت لك أننا ندفع من بيت مال الزكاة للإخوة في هيئة شؤون الأسرى والشهداء ما يحتاجون لفداء أسارى المسلمين، وكذلك الحال بالنسبة لسهم (المؤلفة قلوبهم) نعطي منه بمقدار الحاجة لذلك، وكذلك ما تحدثنا عنه من مستحقات للدواوين التي تقدم الخدمات للفقراء والمساكين فإننا نؤدي حقوقها من بيت مال الزكاة.

أما عن علاقة الدواوين الأخرى بالزكاة، فتكاد لا تجد – بحمد الله – ديوان من دواوين دولة الخلافة إلا وهو يساهم في إقامة شعيرة الزكاة، وهذا من فضل الله على الإخوة المجاهدين.
فالإخوة في ديواني الإعلام والدعوة والمساجد يقومون بدور كبير في تذكير المسلمين بهذا الواجب، وحث الناس على القيام به من خلال الخطب والدروس والإصدارات والمطبوعات، كما يشرف أئمة المساجد على تسجيل المحتاجين للزكاة كل في منطقته.

والإخوة في ديوان الحسبة يساهمون معنا في متابعة أداء المسلمين للزكاة، وفي مكافحة التسول عن طريق إحالة المتسولين إلى الديوان لسد حاجة المحتاج منهم ومعاقبة من يثبت أنه يسأل الناس من غير حاجة.

وإخواننا في الولايات يقومون على تسهيل أداء مراكز الزكاة لوظيفتها وإزالة العوائق التي تعترضهم، ومتابعة أداء المسلمين للزكاة عن طريق الحواجز والدوريات على الطرق التي تتحقق من قوافل التجار وشاحناتهم.

وديوان الزراعة يشاركنا العمل في جباية زكاة الزروع، ووضع الضوابط التي تضمن التزام المزارعين بأدائها، كما يشرفون على بيع ما يتم جبايته من زكاة الزروع لتحويله إلى أموال نقدية يسهل التعامل معها بشكل أكبر.

وكذلك فإن قضايا الممتنعين عن أداء الزكاة، أو من يثبت تلاعبه في أدائها بتغيير المال أو إخفاؤه، أو من يحاول رشوة العاملين عليها، أو من يأخذها من غير المستحقين، كلها يتم إحالتها إلى ديوان القضاء ليقوموا بمحاسبتهم كل بحسب جريمته.
فيما يعمل الإخوة في هيئة البحوث والإفتاء إلى جانب القسم الشرعي في الديوان على إعداد البحوث في نوازل الزكاة لبيان الحكم الشرعي فيها، فيتم العمل في ضوءه.

وقد ذكرت لك ما تقوم به دواوين الخدمات العامة، والتعليم، والصحة، والركاز في خدمة الفقراء والمساكين، وما يقوم به الإخوة في هيئة شؤون الأسرى والشهداء والعلاقات العامة في أداء سهمي (في الرقاب) و (المؤلفة قلوبهم).

ولا يفوتنا طبعا أن نذكر أن المجاهدين والمرابطين في ديوان الجند لهم الفضل بعد الله في قيام هذا الشعيرة وبقاء أداءها، إذ لولا القتال في سبيل الله لما قامت دولة الخلافة الإسلامية، ولا أقيم هذا الركن العظيم من أركان الإسلام.

- نتوقف عند هذه النقطة أخانا الحبيب، ونسأل الله أن يجزيكم كل خير على توضيحاتكم لنا ولإخواننا القراء، وسنكمل معكم الحوار في جلسة لاحقة لتبينوا لنا كيف يدير ديوان الزكاة عملية جمع الزكاة وتوزيعها في ولايات الدولة الإسلامية، والآلية المطبقة لتحقيق ذلك، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


◽ المصدر: صحيفة النبأ - العدد 31
الثلاثاء 10 شعبان 1437 ه‍ـ

مقتطف من:
حوار مع أمير ديوان الزكاة
...المزيد

أمير ديوان الزكاة (نسأل الله أن يعيننا حتى نكفي حاجة كل فقراء المسلمين) موضحا لكثير من الجوانب ...

أمير ديوان الزكاة
(نسأل الله أن يعيننا حتى نكفي حاجة كل فقراء المسلمين)

موضحا لكثير من الجوانب عن فريضة الزكاة واداءها في الدولة الإسلامية.
ومبينا حقيقة العلاقة بين ديوان الزكاة وغيره من دوواينها.
وكاشفا لكيفية توزيع أسهم الزكاة على المستحقين.

- مالسبب برأيك في امتناع الأغنياء عن أداء الزكاة رغم أن وجوبها من المعلوم من الدين بالضرورة؟

السبب الأول ولا شك هو قلة الدين وحب المال ولا ننسى أن الكثير من المرتدين في عهد أبي بكر رضي الله عنه تركوا الإسلام رغبة في ترك هذه الفريضة، ومن أمثلة قلة الدين أن بعض من كان يخرج الزكاة قبل أن يمكن الله للدولة الإسلامية كان لا يؤديها بالصورة الشرعية فتراهم يعطونها لمن لا يستحقها، ويحرمون منها الفقراء، فيخصون بهذا المال من يودّون مساعدته من قريب أو صديق، بل وسمعنا أن البعض كان يعطي هذا المال للموظفين ولضباط النظام النصيري على سبيل الرشوة، والله المستعان.

ولذلك تجد أن البعض يحاولون التهرب من أداءها إلى الديوان لأن ديوان الزكاة سيأخذ منهم كامل الحق المفروض في مالهم وفي وقته المحدد وسيتولى هو إيصاله للفقراء ولو علم هؤلاء أننا بذلك ننجيهم من عذاب الله الذي سيصيبهم بعدم أداءهم لهذه الركن لحمدوا الله أن هيئ لهم من يحمل عنهم هذا العبء ويؤدي عنهم هذه الفريضة بالشكل الصحيح.

- لاحظت أنك في كلامك تركز أن الزكاة حق الفقير، بالرغم من أن الله عز وجل جعل مصارف الزكاة سبعة،فما هو نصيب المستحقين الآخرين للزكاة منها؟

إن الأصل في الزكاة أنها حق الفقير لقوله عليه الصلاة والسلام (تؤخذ من غنيهم وتردّ إلى فقيرهم)، وعلى هذا الأساس يعمل ديوان الزكاة، فالسعي الآن لسد حاجة الفقراء والمساكين بالدرجة الأولى، خاصة في الظرف الذي نعيشه اليوم والذي تزداد فيه حاجتهم.

وتوزيع أموال الزكاة على مصارفها الشرعية إنما يخضع لاجتهاد الإمام أولا فيوزعها بحسب حاجة كل باب، وبناء على هذا فقد تم تفعيل الأبواب كلها في وقت من الأوقات ولكن عندما وجدنا شدة حاجة الفقراء والمساكين فقد استحصلنا من اللجنة العامة المشرفة على الإذن بتحويل الأموال من بعض الأبواب بشكل جزئي أو كلي ليوزع على أسهم الفقراء والمساكين فأخذنا كامل حصة سهم (في سبيل الله) الذي يخصص عادة للجهاد وتقوية الثغور، وثلاثة أرباع سهم (الغارمين) وجزءا من سهم (العاملين عليها) كما تقرر أخذ كل ما يفيض شهريا من حاجة سهم (ابن السبيل).
ولكن كما قلت لك القضية تخضع للحاجة والاجتهاد فأينما زادت الحاجة يتم توجيه المال وفي الأمر سعة والحمد لله وعلى سبيل المثال فسهما (في الرقاب) و(المؤلفة قلوبهم) موجودان وندفع الأموال منهما بحسب الحاجة حيث نُعلِم الإخوة في هيئة الأسرى بشكل دوري بمقدار الموجود لدينا من مال مخصص لفكاك أسرى المسلمين وهم يأخذون من هذا المال بحسب حاجتهم بناء على تفويض من اللجنة العامة المشرفة، وقد خرج بحمد الله الكثير من الأسرى من المجاهدين وعامة المسلمين بعدما فداهم الإخوة بهذا المال وكذلك الأمر بالنسبة لسهم (المؤلفة قلوبهم) إذ يدفع منه بقدر الحاجة إلى ذلك نصرة للدين وتثبيتا للمسلمين.

وكما يتبين لك فالقسم الغالب من الأموال التي يجبيها ديوان الزكاة اليوم إنما تذهب لسهمي الفقراء والمساكين، ونسأل الله أن يعيننا حتى نكفي حاجة كل فقراء المسلمين وأن يغنيهم الله بفضله.

- يوجد اضطراب كبير في تعريف كل من الفقراء والمساكين في أذهان الناس، فما هي المعايير التي تبنون عليها تحديدكم لهتين الفئتين من الناس، وحجم ما يأخذونه من مال الزكاة؟

ما يبني عليه ديوان الزكاة في الدولة الإسلامية في تعريف الفقير والمسكين هو مقدار الكفاية فمن ملك أكثر من نصف كفايته ولم يحقق الكفاية يكون مسكينا ومن ملك أقل من نصف الكفاية فهو الفقير، وما ندفعه للفقير والمسكين هو لإيصاله إلى حد الكفاية فيكون بذلك غنيا وهذا ما سنصل إليه بإذن الله إذا أدى كل الأغنياء في الدولة الإسلامية زكاتهم على وجهها.

أما حد الكفاية فهو كما تعلم مفهوم نسبي يختلف باختلاف الزمان والمكان وباختلاف حال الناس ومن يعولون ونعمل الآن على إنجاز دراسة لتحديد مقادير كمية لحد الكفاية تتضمن أرقاما مالية لقيمة احتياجاتهم الأساسية وعلى أساس حجم الأسرة سيتم وضع حدود متعددة للكفاية، بحيث يمكننا من خلال ذلك تصنيف الناس إلى فقراء ومساكين وأغنياء ويتم إعطاء الفقراء والمساكين بمقدار ما يسد كفايتهم سواء بتقديم الأموال لهم نقدا ليكفوا حاجتهم من الطعام والشراب والمسكن ومواد التنظيف وغاز الطبخ أو بواسطة وذلك بسداد قيمة ما يستهلكونه من خدمات صحية وتعليمية وخدمات الكهرباء والماء والصرف الصحي وكذلك قيمة وقود التدفئة بدفع هذا الجزء من المال لدواوين الدولة الإسلامية ذات العلاقة لتقوم بتقديم خدماتها للفقراء والمساكين دون أن تتقاضى منهم مقابلا لذلك أسوة بالأغنياء.


◽ المصدر: صحيفة النبأ - العدد 31
10 شعبان 1437 ه‍ـ

مقتطف من:
حوار مع أمير ديوان الزكاة
...المزيد

المعاملة بالظاهر إنما نعامل الناس بما ظهر منهم، وإن يخفون نفاقًا لا نعلم به فما يضرون إلا ...

المعاملة بالظاهر

إنما نعامل الناس بما ظهر منهم، وإن يخفون نفاقًا لا نعلم به فما يضرون إلا أنفسهم.

• قال الله تعالى: {وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ ۖ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ۖ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ ۖ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ ۚ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَىٰ عَذَابٍ عَظِيمٍ} [التوبة:١٠١]

• قال نبي الله نوح عليه السلام: {قَالَ وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الشعراء:١١٢] وقوله: {مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ} يقول: مرَنُوا عليه ودَرِبو به.

• وقال تعالى: {قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ ۚ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ ۚ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [الأعراف:١٨٨]

• قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: {وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ} قال: لا جتنبت ما يكون من الشر قبل أن يكون، واتقيته. ثم أخبر أنه إنما هو نذير.
...المزيد

معلومات

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً