محمد مكاوي طلبت قتله أمريكا واغتاله يهود الجهاد (2/1) هذه وقفة مع أَسَد من أُسْد الله ...

محمد مكاوي
طلبت قتله أمريكا
واغتاله يهود الجهاد
(2/1)
هذه وقفة مع أَسَد من أُسْد الله الأعلام وبطل من أبطال الإسلام، نحسبه كذلك والله حسيبه، أبت نفسه إلا أن يُقتل تحت راية دولة الإسلام، فرفض الفتات ونبذ الفرقة والشتات، إنه البطل الشهيد المهندس محمد مكاوي إبراهيم، قضى قسطا من صباه في دويلة «الإمارات»، حيث كانت تقيم أسرته هناك، ثم رجع إلى السودان، فواصل دراسته، إلى أن التحق بجامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا ودخل كلية الهندسة، وفي سنين دراسته للهندسة، هداه الله لطريق الحق والسداد، فسلك درب الجهاد، وكان عضوا بارزا في مجموعة «السلمة» التي كانت تحاول القيام بعمليات على الصليبيين في الخرطوم، لكن الله قدّر انكشاف أمرها قبل تحقيق أهدافها، بعد انفجار عبوة كانت قيد التصنيع، وقبض وكلاء الأمريكيين في السودان على جميع أفراد المجموعة، عدا أخوين، كان من بينهما محمد مكاوي.

ولكن المرتدين لم يهدأ لهم بال، وظلوا يبحثون عنه ويطاردونه، وقد حوصر من قبل قوات المباحث في إحدى الليالي، وأراد المرتدون اعتقاله لكنه ولشجاعته -رحمه الله- خرج إليهم شاهرا سلاحه، وأمطرهم بوابل من الرصاص، فولّوا الأدبار تاركين سيارتهم، فأخذ سيارة وهرب بها، ثم اضطر للوقوف بعد أن ابتعد عنهم لإصلاح أحد إطارات السيارة الذي أُصيب ببعض رصاصاتهم، فلحقوا به مرة أخرى واقتربوا منه، فانحاز إلى بناية صغيرة على الطريق، وكلما حاول المرتدون التقدم نحوه أطلق عليهم النار ولم يكن معه سوى ستين طلقة فقط (مخزني كلاشنكوف)، ثم انحاز قبل بزوغ الفجر، بعد أن ملأ قلوبهم رعبا، ودخل إلى الخرطوم، ثم التحق مع رفيقه ببعض الإخوة الذين كانوا في دارفور لتأسيس خلايا جهادية في تلك المنطقة، ثم رجع مرة أخرى للخرطوم، وبعد فترة من وصوله، قدّر الله أن يُلقى القبض عليه وعلى وبعض الإخوة، فحُكم عليهم بالإعدام في قضية قتل الدبلوماسي الأمريكي «جون مايكل جرانفيل» الشهيرة.

وفي كرامة من الكرامات التي منّ الله بها عليه، تمكن هو ومجموعته من الهروب من أعتى السجون السودانية، سجن «كوبر» سيء الصيت، بعد أن وفقهم الله لحفر نفق أرضي، يصل طوله إلى 45 مترا، وظل بعد خروجه متخفيا لمدة عام في السودان، حتى قرر الهجرة إلى الصومال، ووصل كذلك بكرامة أخرى، عابرا نقاط التفتيش والحواجز التي وضع عليها المرتدون صورته، وكان حينئذ يتنقل بجواز سفر لشخص آخر بصورة ليست له، لكنه التوكل على الله الذي ملأ قلبه.

فوصل إلى الصومال وانضم للمجاهدين، وكان مثالا للسمع والطاعة والانضباط، بشهادة كل من عاشره، وكان في سريّة من أشد السرايا في الصومال، حيث يمكث فيها المجاهد أحيانا قرابة العام، دون الرجوع إلى أهله، وتخرّج -رحمه الله- من معسكرين، أحدهما كان معسكرا خاصا لتخريج للكوادر، وقد روى أصدقاؤه أنه كان طالب علم شديد الحرص على الاستفادة من وقته، حتى إجازاته كان يقضيها في التعلم والاستفادة من أصحاب الخبرات العسكرية والشرعية، إلى أن صار الداعية الأبرز في سَريته، يدعو إخوانه ويحرضهم ويعلمهم ويذكرهم بالله، وكان حريصا على تعليم أهل البادية التوحيد وسائر أمور دينهم.

كان -تقبله الله- شجاعا لا يتردد، ففي إحدى المرات أراد أمير السرية التي كانت تعمل في إحدى الغابات داخل الأراضي الكينية أن يمتحن شجاعة الجنود، وفي جنح الظلام كان بالقرب منهم نهر يسبح فيه عدد من أفراس النهر، وكان صوتها عاليا، فأمرهم الأمير أن يقوم كل واحد منهم بجلب الماء من النهر، فرفض الجميع إلا مكاوي، حيث أخذ سلاحه وتوجه إلى النهر، وما هي إلا دقائق حتى سمعوا صوت إطلاق النار، فقد هاجمه فرس النهر، لكن مكاوي لم يفر وأطلق النار عليه وأرداه قتيلا وجلب الماء.

وظل مجاهدا يدافع عن دينه وينصر المستضعفين، حتى جاءت المحنة التي امتحن الله بها المجاهدين، ليعلم من يتبع الحق ممن يتبع الهوى، وقد كان الأخ مكاوي لا يحب التقليد بل يبحث دائما عن الدليل، وبعد إعلان تنصيب خليفة للمسلمين بعد أن خلت الديار منه لقرون، وقف الشهيد محمد مكاوي مع نفسه، وكعادته بدأ البحث والتفتيش عن الحق في هذا الأمر، وقد قال لأحد إخوانه أنه قرأ في ذلك ألف ورقة، وبعد أن ظهر له الحق -وكعادته أيضا- بدأ في الدعوة إليه وعلى الملأ، لا يخاف في الله لومة لائم ولا عذل عاذل، وشهد جلسة جاء فيها «شرعيو حركة الشباب» الذين أخذوا يلبّسون الحق بالباطل، فطلب مناقشتهم، فرفضوا أن تكون أمام الناس، وأبى هو إلا أن تكون أمام الناس، فانفضّوا من غير نقاش، ثم قرر بعدها الهجرة من الصومال مرة أخرى، واللحاق بإحدى ولايات الدولة الإسلامية، ولم يخبر الحركة لأنه كان لا يثق بها ولا بقيادتها.


◽ المصدر: صحيفة النبأ - العدد 33
الثلاثاء 24 شعبان 1437 ه‍ـ

مقتطف من قصة شهيد
...المزيد

حربنا مع المشركين... باقية لقد جعل الله الصراع بين أهل التوحيد وأهل الشرك سنّة من السنن التي ...

حربنا مع المشركين... باقية


لقد جعل الله الصراع بين أهل التوحيد وأهل الشرك سنّة من السنن التي يسير عليها هذا الكون، إذ لابدّ من التدافع بين الإسلام والكفر في أي زمان ومكان وُجدا، وإلا لاستولى أهل الباطل على الأرض فأفسدوها بشركهم واتّباعهم لشهواتهم وأهوائهم، كما هو حاصل اليوم في ظل استيلاء الصليبيين على العالم، وهيمنتهم عليه.

لذلك كان الأمر الإلهي الدائم لأهل الإسلام أن يكونوا حربا على الشرك وأهله، وأن يجاهدوهم بأيديهم وألسنتهم وقلوبهم، وأوجب عليهم قتالهم حتى يُخضعوهم لحكم الإسلام، فيتبعوه أو يطيعوا أحكامه فيهم، كما في قوله جل وعلا: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} [سورة الأنفال: 39]، فلا يوقِفُ أهلُ التوحيد حربهم على المشركين حتى ينهوا وجود الشرك في الأرض كلها، وحتى لا يكون فيها حكم إلا لله عز وجل.

كما بيّن العليم الحكيم سبحانه لعباده الموحّدين أن أهل الشرك يقاتلونهم أبدا، وأن هدف قتالهم هو إخراجهم من الإسلام، ليكونوا في الشرك سواء، كما في قوله تعالى: {وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [سورة البقرة: 217]، وفي الوقت الذي كشف فيه حقيقة حربهم وغايتها، حذّر المسلمين وأوجب عليهم منع المشركين من تحقيق غايتهم من هذه الحرب، وبيّن لهم أن من ارتد عن دينه ولم يصبر على حرب المشركين له ومات على الكفر، حبط كل ما عمله، وإن كان من قبل ردته موحّدا مهاجرا مجاهدا، ولم يعذره الله بقتال المشركين له، فالقتال ليس من صور الإكراه التي يعذر فيها المسلم إن وقع في الشرك.

وإن من العجب الذي نراه اليوم أن تتفاخر الكثير من الفصائل والأحزاب التي تزعم الانتساب إلى الإسلام بعدم إقامتها للدين، وتحكيمها للشريعة، وتسوّق لجنودها وأنصارها أن هذا عين الحكمة، وأحسن السياسة، لأنها بذلك تتجنب قتال المشركين لها، ونقمة المنافقين عليها، وتستجلب سكوت الطواغيت عنها، ورضا أهل الأهواء، متغافلين عن حقيقة أنهم بذلك قد حققوا مراد المشركين منهم بارتدادهم عن دين الله، فأزالوا بذلك داعي قتالهم لهم، الذي بيّن -جل شأنه- أن المشركين لا يزالون يقاتلون المسلمين عليه.
إن من يدرك هذه الحقائق سيفهم سبب العداوة الشرسة التي يظهرها أهل الشرك باختلاف مللهم ونحلهم للدولة الإسلامية وجنودها، وسيعرف سبب إجماع أعداء الدين على قتالها رغم اختلافهم وتنازعهم فيما بينهم، وسيعلم أن الحرب بينها وبينهم لا يمكن أن تنتهي في جولة أو جولتين، بل هي حرب مستمرة لا هوادة فيها، يسعى كل طرف أن يحقق غايته منها.

فالدولة الإسلامية تجعل غاية جهادها تحقيق العبودية لله بإقامة الدين في الأرض، وذلك بجهاد المشركين حفظا لما مكّنها الله فيه، وطلبا لإخضاعهم وبلادهم لحكم الله أو إبادتهم جميعا إن أبوا، وأما المشركون فيعلمون أنهم لن يتمكنوا من إبادة المسلمين من الأرض، ولكن يسعون إلى إجبار أهل الإسلام على ترك أصله، أو دفعهم إلى التنازل عن بعض أركانه أو شعبه.

واليوم وبعد سنوات من الحرب بين الدولة الإسلامية والمشركين وعلى رأسهم أمريكا الصليبية، لا زالت الدولة الإسلامية -بفضل الله وحده- ثابتة على عقيدتها ومنهجها، وقدمت تكاليف باهظة من دماء أمرائها وجنودها، في سبيل أن لا تقدم أي تنازل في دينها، في حين تنازل الكثيرون عن دينهم كله في سبيل حفظ الأنفس والأموال، والعمران والسلطان، فأبقاها الله واستبدلهم، ومكّن لها الله ومحا أثرهم.

فليقتل المشركون منّا ما قدر الله لهم أن يفعلوا، فسيخلفنا الله خيرا، وليستولوا على ما قدّر الله لهم من الأرض، فسنستردها من أيديهم وزيادة بإذن الله، وليدمّروا من المدن والقرى والآليات ما قدّر الله لهم أن يدمّروا، فسيعوّضنا الله كما عوّضنا في كل مرة، فما دام الدين ثابتا والمنهج راسخا، وما دامت راية العقاب طاهرة من دنس الشرك وأهله، فستبقى الدولة الإسلامية، وستستمر حربها عليهم بإذن الله، والعاقبة للمتقين.


◽ المصدر: صحيفة النبأ - العدد 33
الثلاثاء 24 شعبان 1437 ه‍ـ

مقال:
حربنا مع المشركين... باقية
...المزيد

لم يمنعهنّ الحياء أن يتفقّهن في الدين - عَمْرَة الأنصارية: تلميذة عائشة: كذلك عمرة بنت عبد ...

لم يمنعهنّ الحياء أن يتفقّهن في الدين

- عَمْرَة الأنصارية: تلميذة عائشة:

كذلك عمرة بنت عبد الرحمن بن سعد الأنصارية النجارية المدنية الفقيهة، تربية عائشة وتلميذتها، حدَّثت عن عائشة، وأم سلمة، ورافع بن خديج، وأختها؛ أم هشام بنت حارثة. كانت عالمة فقيهة حُجة كثيرة العلم.

روى: أيوب بن سويد، عن يونس، عن ابن شهاب، عن القاسم بن محمد، أنه قال لي: يا غلام، أراك تحرص على طلب العلم، أفلا أدلك على وعائه؟ قلت: بلى، قال: عليك بعمرة، فإنها كانت في حجر عائشة، قال: فأتيتها، فوجدتها بحرا لا ينزف [سير أعلام النبلاء].

- حفصة بنت سيرين: تروي عن أم عطية:

ومن العالمات أيضا حفصة بنت سيرين أم الهذيل الفقيهة الأنصارية. روت عن أم عطية، وأم الرائح، ومولاها أنس بن مالك، وأبي العالية. روى عنها: أخوها محمد، وقتادة، وأيوب، وخالد الحَذَّاء، وابن عون، وهشام بن حسان.

روي عن إياس بن معاوية، قال: ما أدركت أحدا أفضِّله عليها.

وقال: قرأَتْ القرآن وهي بنت ثنتي عشرة سنة، وعاشت سبعين سنة، فذكروا له الحسن وابن سيرين، فقال: أما أنا فما أفضِّل عليها أحدا.

وقال مهدي بن ميمون: مكثت حفصة بنت سيرين ثلاثين سنة لا تخرج من مصلاها إلا لقائلة أو قضاء حاجة [سير أعلام النبلاء].

- أم زينب البغدادية: من فقيهات الحنابلة:

ومن النساء اللاتي لمع نجمهن أيضا وزاحمن الرجال في ميادين العلم فاطمة بنت عباس بن أبي الفتح، الشيخة المفتية الفقيهة العالمة الزاهدة العابدة، أم زينب البغدادية الحنبلية الواعظة.
كانت تصعد المنبر وتعظ النساء، فينيب لوعظها، ويقلع من أساء، وانتفع بوعظها جماعة من النسوة، ورقَّت قلوبهن للطاعة بعد القسوة، كم أذرت عبرات، وأجرت عيونا من الحسرات كأنها أيكية على فننها، وحمامة تصدح في أعلى غصنها.

وكانت تدري الفقه وغوامضه الدقيقة، ومسائله العويصة، التي تدور مباحثها بين المجاز والحقيقة.
وكان ابن تيمية -رحمه الله تعالى- يتعجب من علمها، ويثني على ذكائها وخشوعها وبكائها [أعيان العصر وأعوان النصر].

وهذا غيض من فيض من سير بعض الصالحات العالمات العطرة، وإن نحن ذهبنا نعدّهن لما وسعنا المقام، فنعم الأسوة هن وخير قدوة، وحري بكل مسلمة أن تقتفي أثرهن، وتسير على خطاهن وتنهل مما نهلن.

العلم يحيي قلوب الميتين كما
تحيا البلاد إذا ما مسها المطر
والعلم يجلو العمى عن قلب صاحبه
كما يجلي سواد الظلمة القمر

فالله الله في طلب العلم، والله الله في ثني الركب التماسا لذلك، ورضي الله عن أم المؤمنين عائشة إذ تقول: «نِعم النساء نساء الأنصار لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين» [متفق عليه]، ونحن نقول يرحم الله نساء الخلافة، لا تمنعهن مشاغل الدنيا وتربية الأبناء من التفقه في الدين والتزين بحلية العلم.


◽ المصدر: صحيفة النبأ - العدد 32
الثلاثاء 17 شعبان 1437 ه‍ـ

مقتطف من مقال:
لم يمنعهنّ الحياء أن يتفقّهن في الدين
...المزيد

لم يمنعهنّ الحياء أن يتفقّهن في الدين الحمد لله الذي رفع ذكر العالِمِين، والصلاة والسلام على ...

لم يمنعهنّ الحياء أن يتفقّهن في الدين


الحمد لله الذي رفع ذكر العالِمِين، والصلاة والسلام على إمام الأنبياء وأولي العلم الراسخين، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد.
فقد قال الله تعالى في محكم التنزيل: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [آل عمران: 18]، وقال ابن قيم الجوزية -رحمه الله- وهو يذكر فضل العلم: «واستشهد الله -عز وجل- بأهل العلم على أجلّ مشهود به، وهو التوحيد، وقرن شهادتهم بشهادته وشهادة ملائكته، وفي ضمن ذلك تعديلهم، فإنه سبحانه وتعالى لا يستشهد بمجروح» [مدارج السالكين].

ثم قال رحمه الله: «ويكفي في شرفه [أي شرف العلم] أنّ فضل أهله على العباد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، وأن الملائكة لتضع لهم أجنحتها، وتظلهم بها، وأن العالم يستغفر له من في السماوات ومن في الأرض، حتى الحيتان في البحر، وحتى النمل في جحرها، وأن الله وملائكته يصلون على معلمي الناس الخير» [مدارج السالكين].

- وجوب طلب العلم:

ولقد فرض الله تعالى طلب العلم على كل مسلم ومسلمة، فالرجال والنساء في طلب العلم الشرعي النافع سواء، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: (طلب العلم فريضة على كل مسلم) [رواه ابن ماجه والطبراني].

قال الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب، رحمه الله: «اعلم أن طلب العلم فريضة، وأنه شفاء للقلوب المريضة، وأن أهم ما على العبد معرفة دينه الذي معرفته والعمل به سبب لدخول الجنة، والجهل به وإضاعته سبب لدخول النار أعاذنا الله منها» [الدرر السنية].

وقال ابن رجب الحنبلي، رحمه الله: «فإنه يجب على كل مسلم معرفة ما يحتاج إليه في دينه، كالطهارة والصلاة والصيام، ويجب على من له مال معرفة ما يجب عليه في ماله من زكاة ونفقة، وحج وجهاد، وكذلك يجب على كل من يبيع ويشتري أن يتعلم ما يحل ويحرم من البيوع، كما قال عمر، رضي الله عنه: لا يبيع في سوقنا إلا من قد تفقه في الدين» [مجموع رسائل ابن رجب].
ولذلك كان من أوجب الواجبات على دولة الإسلام ما إن مكنها الله تعالى في الأرض، أن حرصت على نشر العلم الشرعي بين رعاياها، فأقيمت الدورات الشرعية وانتشرت حلق الذكر والتعليم في المساجد.

وقد كانت الدولة الإسلامية -سددها الله- ولا زالت تحث النساء على طلب العلم، وتقيم لهن الدروس والمحاضرات، وتنشر بينهن الرسائل النافعة، والكتب الجامعة.

- المسلمة ترفع الجهل عن نفسها وأهلها ومن حولها:

عن ابن عمر، رضي الله عنه، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (ألا كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته، فالأمير الذي على الناس راع، وهو مسؤول عن رعيته، والرجل راع على أهل بيته، وهو مسؤول عنهم، والمرأة راعية على بيت بعلها وولده، وهي مسؤولة عنهم، والعبد راع على مال سيده وهو مسؤول عنه، ألا فكلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته) [متفق عليه]، فوجب على المسلمة تعلُّم أمر دينها لرفع الجهل عن نفسها وأطفالها ومن حولها، وتأسيا بمن كان قبلنا من الصحابيات ونساء السلف والصالحين.

ولتعلم الأخت المسلمة أن تنشئة النساء في الحلية والزينة والترف وما أباحه الشارع لهن، لا يجب أن يكون مبلغ همّ المسلمة، ولتقلب صفحات التاريخ، ولتطرق أبواب السير والتراجم، لتجد فيها حدائق غَنَّاء بزهرات يفوح عبيرها مع كل سطر، زهرات هن نساء خيِّرات، زوجات وأمهات وفي نفس الوقت عالمات فقيهات محدِّثات، تعلمن وعلمن، وحفِظن وحفَّظن، بل وتفقهن وأفتين.

- أم المؤمنين تعلم علماء الصحابة:

فها هي أم المؤمنين الصديقة بنت الصديق -رضي الله عنها وعن أبيها- يشهد لها كبار الصحابة –رضوان الله عليهم- بغزارة العلم، عائشة معلمة الأمة التي قال عنها الزهري: «لو جُمع علم عائشة إلى علم جميع أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- وعلم جميع النساء لكان علم عائشة أفضل».
وسئل مسروق إن كانت عائشة تحسن الفرائض، فقال: «والذي لا إله غيره، لقد رأيت الأكابر من أصحاب محمد يسألونها عن الفرائض» [رواه الدارمي].

وعن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- قال: «ما أشكل علينا أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حديث قط، فسألنا عائشة -رضي الله عنها- إلا وجدنا عندها منه علما» [رواه مالك في الموطأ].


◽ المصدر: صحيفة النبأ - العدد 32
الثلاثاء 17 شعبان 1437 ه‍ـ

مقتطف من مقال:
لم يمنعهنّ الحياء أن يتفقّهن في الدين
...المزيد

الرِّفقُ خُلُق الأنبياء (2/2) وإلى كل مجاهد في سبيل الله، نخصه بالتذكير ونقول له: يا قرة ...

الرِّفقُ خُلُق الأنبياء
(2/2)

وإلى كل مجاهد في سبيل الله، نخصه بالتذكير ونقول له:

يا قرة العين، وتاج الرأس، يا من اعتليت ذروة سنام الإسلام، يا بائعا نفسك لربك: أشفق بالناس لأنك أحق بالشفقة من غيرك، فما نذرت نفسك ومالك إلا لإقامة شرع الله ونصرة المستضعفين ونشر التوحيد وإنقاذ الناس من الضلال وتعليمهم أمر دينهم، فكيف يتأتى ذلك منك بغير الرفق والحلم والرحمة والشفقة!

واحذر -أخا الجهاد- من أن تغتر بجهادك وعلمك وعملك، ولا تقل إن الله اصطفاني لأني كذا وكذا، وقد أوتيت ذلك على علم عندي!

لا، بل تذكر دائما أن هدايتك وجهادك نعمة من الله مـنّها عليك برحمته، فاشكر هذه النعمة بالتواضع للناس ولا تكفرها بالتعالي عليهم، واحفظ هذه الآية الكريمة ورددها: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} [سورة النساء: 94].

فالله الله في رعايا الخلافة، فإن لهم عليك حق الإحسان إليهم، والرفق بهم، ونصيحتهم، ورعاية مصالحهم، وليكن شعارك ما وصاك به الشيخ المجاهد أبو حمزة المهاجر -رحمه الله- حيث قال: «فترفقوا بالناس وأشعروهم حلاوة الإسلام وعزته، وإياكم أن تشعروهم الخوف من الإسلام وأحكامه، وإن كان ثمة أمر مُرٌّ على أهلنا، فاعملوا له من الحلو والطيب من القول والفعل ما يتقبل الناس مُرَّه، وعلى الجملة: حببوا للناس دينه وأحكامه ودولة الإسلام» [الوصية الثلاثينية لأمراء وجنود الدولة الإسلامية].

هذا، ومما ينبغي التنبيه عليه: أنه وكما أن للرفق مواضعه المحمودة، فإنّ للشدّة والغلظة مواضعها المحمودة أيضا، كما قال تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} [سورة التوبة: 73]، وقال تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ} [سورة الفتح: 29]، وقال تعالى: {فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ} [سورة محمد: 4]، وقال تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ} [سورة النور: 2].

وقال صلى الله عليه وسلم: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله)، وقال: (وايم الله لو أن فاطمة ابنة محمد سرقت، لقطعت يدها) [متفق عليهما]، وقال صلى الله عليه وسلم: (يا معشر قريش! أما والذي نفسي بيده لقد جئتكم بالذبح) [صحيح رواه أحمد وغيره].

وقال أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- في نقاش الصحابة له في قتال مانعي الزكاة: «والله لأقاتلن من فرّق بين الصلاة والزكاة، والله لو منعوني عناقا كانوا يؤدونها إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لقاتلتهم على منعها» [متفق عليه]، وللفاروق عمر وسيف الله خالد وأسد الله حمزة وغيرهم من الصحابة، مواقف مشهودة في الشدة حربا لأعداء الله، وزجرا للعصاة والمبتدعين، فليراجعها من يريد الاستئناس بها في سيرهم العطرة، رضوان الله عليهم.

اللهم إنا نسألك قلبا واسعا ولسانا طيبا ووجها باسما، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.


◽ المصدر: صحيفة النبأ - العدد 32
شعبان 1437 ه‍ـ
...المزيد

الرِّفقُ خُلُق الأنبياء (2/1) الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن ...

الرِّفقُ خُلُق الأنبياء
(2/1)

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فإن الله تعالى رفيق يحب الرفق في الأمر كله [حديث متفق عليه]، وقد حثّ سبحانه صفوة خلقه نبيه محمد -صلى الله عليه وسلم- على الترفق بالمسلمين فقال له: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [سورة آل عمران: 159] وقال له جل جلاله: {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [سورة الشعراء: 215].

فكان -صلوات الله وسلامه عليه- أرفق الناس بالناس، بل كان الرفق علامة من علامات نبوته -صلى الله عليه وسلم- ومن صور رفقه ما رواه مسلم عن معاوية بن الحكم السلمي، قال: بينا أنا أصلي مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إذ عطس رجل من القوم، فقلت: يرحمك الله فرماني القوم بأبصارهم، فقلت: واثكل أمياه، ما شأنكم؟ تنظرون إلي، فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم، فلما رأيتهم يصمتونني لكني سكت، فلما صلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فبأبي هو وأمي، ما رأيت معلما قبله ولا بعده أحسن تعليما منه، فوالله، ما كهرني ولا ضربني ولا شتمني، قال: (إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن).
وما رواه البخاري عن أبي هريرة –رضي الله عنه- في قصة الأعرابي الذي بال في المسجد، وقوله -صلى الله عليه وسلم- لأصحابه، رضي الله عنهم: (دعوه وهريقوا على بوله سَجلا من ماء، أو ذَنوبا من ماء، فإنما بعثتم ميسرين، ولم تبعثوا معسرين).

وروى الشيخان عن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت للنبي، صلى الله عليه وسلم: هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أُحُد؟ قال: (لقد لقيت من قومك ما لقيت، وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة، إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال فلم يجبني إلى ما أردت فانطلقت وأنا مهموم على وجهي، فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب، فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني، فنظرت فإذا فيها جبريل، فناداني فقال: إن الله قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك، وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم فناداني ملك الجبال فسلّم عليّ، ثم قال: يا محمد فقال ذلك فيما شئت إن أطبق عليهم الأخشبين، فقال النبي، صلى الله عليه وسلم: بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده، لا يشرك به شيئا).

وهذا مع قوم آذوه وسبوه وسفهوه وطاردوه، صلى الله عليه وسلم.

ولما كانت هذه منزلة الرفق بالناس من الدين، حث عليها أرفق الناس بالناس، رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في أحاديث كثيرة صحيحة، كقوله، صلى الله عليه وسلم: (إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه) وقوله: (يسروا ولا تعسروا ، وبشروا ولا تنفروا)، وقوله: (ألا أخبركم بمن تحرم عليه النار؟ تحرم على كل قريب هيِّن ليِّن سهل).

كما تبرأ النبي -صلى الله عليه وسلم- من فعل كل عنيف غليظ بغير حق، فقال: (اللهم من ولي من أمر أمتي شيئا فشق عليهم، فاشقق عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئا فرفق بهم، فارفق به) [رواه مسلم]، وقال: (ألا أخبركم بأهل النار؟ كل عتل جواظ مستكبر) [متفق عليه].

ويروى أن رجلا قبطيا من أهل مصر أتى عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- فقال: يا أمير المؤمنين! سابقت ابن عمرو بن العاص (وكان والي مصر آنذاك) فسبقته، فجعل يضربني بالسوط ويقول: أنا ابن الأكرمين! فكتب عمر إلى عمرو يأمره بالقدوم ويجلب ابنه معه، فلما قدم، قال عمر للمصري: خذ السوط فاضربه، فجعل يضرب، وعمر يردد: «اضرب ابن الأكرمين»، ثم التفت عمر لعمرو وقال له: «مذ كم تعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟!» فقال عمرو: يا أمير المؤمنين! لم أعلم ولم يأتني [جامع الأحاديث للسيوطي].

فانظر -أخي- كيف يقتص لـمعاهد من ابن صحابي! كيف لا وقد حذر النبي -صلى الله عليه وسلم- من إيذاء الكافر الذمي، إن كان من رعية الدولة الإسلامية، فقال: (ألا من ظلم معاهدا أو انتقصه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة) [صحيح، رواه أبو داود].
ومن هنا ندعوك -أخانا المسلم- إلى التحلي بهذا الخلق العظيم، فكن محظوظا برفقك ولا تكن محروما بفضاضتك، (فمن أعطي حظه من الرفق فقد أعطي حظه من الخير ومن حُرِم حظه من الرفق فقد حُرِم حظه من الخير) [رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح]، وليكن أمرك بالمعروف معروفا، ولا يكن نهيك عن المنكر منكرا، واختر أحسن كلماتك وعباراتك.

واعلم أن الكلمة الطيبة صدقة، وتبسَّم في وجوه المسلمين ليطمئنوا إليك، واعلم أن تبسمك في وجه أخيك المسلم صدقة.

وإياك إياك أن تحكم على الناس بالهلاك، وترى نفسك أنت وحدك الناجي! وإلا كنت أنت أهلك الناس أو أنك أنت الذي أهلكتهم، كما قال صلى الله عليه وسلم: (إذا قال الرجل: هلك الناس، فهو أهلَكُهم) [رواه مسلم]، وفي رواية (فهو أهلَكَهم)، وكلا المعنيين صحيح.


◽ المصدر: صحيفة النبأ - العدد 32
شعبان 1437 ه‍ـ
...المزيد

حوار مع أمير ديوان الزكاة - أصدرتم تعميما حول موضوع أداء الزكاة، تبينون فيه أهمية هذه الشعيرة ...

حوار مع أمير ديوان الزكاة

- أصدرتم تعميما حول موضوع أداء الزكاة، تبينون فيه أهمية هذه الشعيرة وتحذرون من عدم أدائها، فما سبب إصدار هذا التعميم؟

إن عدم أداء بعض الأغنياء زكاتهم منكر عظيم، وكبيرة من الكبائر، كما أنه يترتب على هذه المعصية عذاب كبير في الآخرة، وهو نار جهنم، أعاذنا الله وإياكم منها، فإن الشريعة قد فرضت على من لا يؤديها عقوبة في الدنيا هي من جنس عمله، ومضادة لقصده، وذلك بأن تؤخذ منه الزكاة، وفوق الزكاة يؤخذ منه شطر ماله، أي نصفه، لقوله عليه الصلاة والسلام: (من أعطاها مؤتجرا فله أجره، ومن منعها فإنا لآخذوها وشطر ماله، عزمة من عزمات ربنا، لا ينال آل محمد منها شيء) [رواه أحمد]، ومن امتنع عن أدائها بالسيف قوتل ردة حتى يتوب إلى الله، وذلك فعل الصحابة -رضوان الله عليهم- مع المرتدين من قبائل العرب التي امتنعت عن أداء الزكاة لخليفة المسلمين أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- فقال فيهم: «والله لو منعوني عناقا كانوا يؤدونه لرسول الله لقاتلتهم عليه».

وبناء على ذلك أصدر الديوان تعميما جديدا لتذكير الناس بما عليهم من حق لرب العالمين، وتخويفهم من عذاب الله لمن امتنع عنها، ولعظيم فضل من أداها بحقها، وكذلك تضمّن التعميم، توضيحا أن الديوان سيُعزّر من أخفى حقيقة ماله وتلاعب في أداء زكاته، ومن ثبت عدم أدائه لها تؤخذ منه مع شطر ماله، أي نصفه، طاعة لأمر الله تعالى، واتباعا لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، وتحصيلا لحق مستحقي الزكاة في أموال الأغنياء، هذا من جانب.
ومن جانب آخر فإن من يثبت لدينا أنه أخذ من مال الزكاة مستخدما الكذب والخداع، وتبين لنا أنه كان غير مستحق لها، أو من استمر في أخذ الزكاة بعد أن أغناه الله وخرج من زمرة مستحقيها، فإن عقوبته في الدنيا أن يسترد منه ما أخذ، ويُعاقب بما يستحق.

أما عقوبته في الآخرة، فهي عقوبة من يأكل المال الحرام، وعقوبة من يسأل الناس من غير حاجة كما في حديث مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (من سأل الناس أموالهم تكثّرا فإنما يسألهم جمرا فليستقل أو ليستكثر)، أي معناه أنه يعاقب بالنار أو أن الذي يأخذه يصير جمرا يكوى به، كما قال شُراح الحديث.

- كيف يتم معاقبة من لا يؤدي الزكاة في الواقع؟
من مكننا الله من كشف عدم أدائه للزكاة أو تلاعبه في ذلك عاقبناه، وتحضرني حالتان على الأقل إحداها في الموصل والأخرى في الرقة تم فيهما شطر مال اثنين لم يؤديا زكاة مالهما، كما تم تعزير العديد ممن أخفى حقيقة ماله، أو تلاعب بالزكاة بتغيير المال، أو الغش فيما يعطي وما شابه.
كما كشف الله لنا العديدين ممن أخذ من مال الزكاة من غير حاجة، أو أخذ منه فوق حقه عن طريق الخداع، فتم استرداد المال منهم، وتعزيرهم.
- هل هناك كلمة أخيرة توجهها للمسلمين عموما؟
أريد انتهاز هذه الفرصة لأذكر المسلمين عموما بأداء ما عليهم من الزكاة، فهي حق للفقير والمسكين، وليتذكر كلٌّ منهم أنه لو افتقر لودّ أن هناك من يعيله ويعينه، فليتَّقِ الأغنياء الفقر بالزكاة، فما نقص مال من صدقة.

وإن التأخر عن أداء الزكاة يعرّض المسلمين كلّهم لخطر عظيم، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- قال: (ولم يمنعوا الزكاة إِلا مُنعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يُمْطَروا) [أخرجه الحاكم وصححه]، ونحن الآن في موسم الحصاد، فلا يتأخرن أحد من المسلمين عن أداء زكاته فيعرض نفسه لعذاب الآخرة، وللعقاب في الدنيا. والحمد لله رب العالمين.


◽ المصدر: صحيفة النبأ - العدد 32
الثلاثاء 17 شعبان 1437 ه‍ـ

مقتطف من حوار مع أمير ديوان الزكاة (2)
...المزيد

حوار مع أمير ديوان الزكاة - لماذا يكون التوزيع في رأس الشهر؟ ولماذا في المساجد؟ الأصل في ...

حوار مع أمير ديوان الزكاة


- لماذا يكون التوزيع في رأس الشهر؟ ولماذا في المساجد؟

الأصل في الزكاة أن توزع بعد جبايتها فورا، ولكن الناس اليوم اعتادت أن تدير أمورها بشكل شهري، فإيجارات المنازل، والديون، بل وحتى الإنفاق، الناس تديره بشكل شهري، لذلك كان الاجتهاد أن يكون التوزيع على هذا الأساس ليستفيد المستحقون من أموالهم بشكل أفضل.

وبناء على ذلك فإن كل ما يجبى خلال أي شهر من الشهور يتم توزيعه خلال الشهر نفسه، إلا أن يكون المال غير نقدي، فيتم توزيعه بعد تحويله إلى نقد للتسهيل على المستحقين، ولا يُدَّخر في بيت مال الزكاة سوى جزء قليل مما يوزع في غير أسهم الفقراء والمساكين.

أما اختيار المساجد مكانا للتوزيع، فذلك عائد لأسباب عديدة، منها أن هذا سنة نبينا، عليه الصلاة والسلام، أنه كان إذا جاءه مال الصدقة جمع الناس في المسجد ووزعها عليهم، ومنها أننا نريد أن نعيد للمسجد مكانته في الإسلام، فمسجد النبي -عليه الصلاة والسلام- كان مركزا لإدارة مختلف شؤون دولته، وكذلك كان حال خلفائه من بعده، وكذلك فإننا نريد أن نرفع عن الفقير الحرج عند استلامه لحقّه، فهو يأخذ حقّه من بيت الله، لا من عتبات بيوت الأغنياء، هذا فضلا عما يترافق مع تسليم الزكاة من محاضرات دعوية، ودروس شرعية يتلقاها المستحقون للزكاة.

وبالإضافة لذلك فإن المسجد هو المكان الطبيعي لاجتماع المسلمين، فبحضورهم إلى الصلوات في أيام توزيع الزكاة يشاهدون بأعينهم إيصال الزكاة لمستحقيها، وبذلك يطمئن من يؤديها، ويعرف من يستحقها بوجودها فيطلب حقه منها.

- ما هي الآثار التي لمستموها على حال الرعية بعد قيام ديوان الزكاة بهذه الفريضة؟

تكلمنا في الجلسة الماضية أن أهم آثار الزكاة، هو إقامة الدين، وتأكيد طاعة رب العالمين، ولكن كما كل أمر فيه طاعة لله، يكون له بالإضافة للثمرات الأخروية ثمرات طيبة في الدنيا تنعكس على واقع الناس، كما في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (حدّ يقام في الأرض خير من مطر أربعين صباحا) [رواه ابن حبان]، وكذلك الزكاة فإن لها الكثير من الآثار الطيبة على واقع الناس، وعلى رأسهم الفقراء والمساكين، حيث تمكنا بفضل الله من كفالة أكثر 100.000 من الأُسَر التي ليس لها من معين إلا الله، حيث يصلها حقها من مال الزكاة بشكل دوري، فوفرنا لهم جزءا كبيرا من احتياجاتهم، وكذلك وقيناهم من الانحراف نحو المعاصي أو الردة والعياذ بالله، فالمشركون اليوم يحاولون إغراء الناس بالمال ليوقعوهم في الكفر بتجنيدهم في جيوش الردة، أو الصحوات، أو توظيفهم جواسيس، هذا فضلا عن كثير من التائبين ممن كانوا في صفوف طوائف الردة تلك، حيث لم تبقَ لهم رواتب بعد التوبة، فقدمنا لهم ما نستطيع بعد أن صاروا بحكم المستحقين للزكاة.
بل وحتى الأغنياء ينالهم جانب من بركة الزكاة، فالمستحقون للزكاة ينزلون بأموالهم إلى الأسواق ويشترون احتياجاتهم فينعشون حركة التجارة فيها، وكميات الأموال التي تضخ شهريا في الأسواق من هذا الباب ليست هينة، بفضل الله، وكذلك فإن في كفاية الفقراء تحصينا لهم من التعدي على أموال الأغنياء بالسرقة أو الإتلاف، طمعا أو حسدا.

وبالمحصلة لو نظرنا نظرة عامة لوجدنا أن الرعية كلها مستفيدة -بفضل الله- من أداء الزكاة، ونيل الفقراء لحقوقهم في أموال الأغنياء.


◽ المصدر: صحيفة النبأ - العدد 32
الثلاثاء 17 شعبان 1437 ه‍ـ

مقتطف من حوار مع أمير ديوان الزكاة (2)
...المزيد

حوار مع أمير ديوان الزكاة - كيف كان وضع الزكاة قبل تنظيم ديوان الزكاة لجبايتها وتوزيعها؟ تحت ...

حوار مع أمير ديوان الزكاة

- كيف كان وضع الزكاة قبل تنظيم ديوان الزكاة لجبايتها وتوزيعها؟

تحت حكم الطواغيت كان أغلب من يؤدي الزكاة من المسلمين يوزعها بنفسه على من يظنه مستحقا للزكاة، فيما كان قسم آخر يؤدون زكاتهم أو جزءا كبيرا منها إلى ما يسمى «الجمعيات الخيرية المستقلة»، وفي الحالتين كان هناك قصور كبير في أدائها.

فمن كان يؤديها بنفسه كان يضعها أحيانا في يد من لا يستحقها، كمن يعطيها للأغنياء من أقاربه وأصدقائه، وقليل من الناس من كان يعرف أحكام الزكاة، وفي أي الأموال تجب، وما نصاب كل نوع من المال، وغير ذلك من الأحكام الشرعية، لذلك كان قسم كبير من المال لا تخرج زكاته.

وإذا أتينا إلى ما يسمى بـ «الجمعيات الخيرية المستقلة» فقد وجدنا في عملها قصورا كبيرا، حيث كان يقتصر في الغالب على تقديم سلات غذائية، أو مبالغ مالية قليلة، بشكل منتظم أو غير منتظم، أو تقديم الخدمات الطبية، أو التعليمية للفقراء، وعلى العموم فقد كانت وارداتها المالية شحيحة لقلة ما يصلها من تبرعات أو أموال الزكاة والصدقات، بالإضافة إلى أن هذه الجمعيات كانت تعاني من الفساد حيث تسود المحسوبيات في توزيع المساعدات، كما تُنهب الكثير من الأموال من إدارات الجمعيات قبل أن تصل إلى الفقراء، كما أن كثيرا من مصارف هذه الجمعيات لم تكن تصلح كمصارف شرعية للزكاة.

ولو أخذنا مدينة الموصل كمثال، فقد كان فيها أكثر من 80 من هذه الجمعيات، ولكن لو نزلنا على الأرض ما هو حجم نشاطها؟ كان محدودا جدا.
ولكن عندما بدأنا العمل في ديوان الزكاة، رأى الناس الفرق بين ما كان سائدا، وبين الواقع الجديد.

فالكثير من الأغنياء عندما بدأنا جباية الزكاة كان يخفي زكاته أو يدفع جزءا قليلا منها إلينا، بحجة أنه يدفعها للفقراء الذين يعرفهم، كما فعل أحد التجار في ولاية حلب، فلما ذهب ليوزع زكاته على من كان يعطيهم في كل عام، وجد أن ديوان الزكاة قد أعطاهم أضعاف المبلغ الذي كان هو يريد إعطاءه لهم، فجاء إلى الإخوة في مركز الزكاة وأدى كامل زكاته لهم، وفوقها بذل من صدقة ماله لإيصالها للفقراء.

وكذلك الأمر مع من كان يأخذ من الجمعيات كانوا يعطونهم مبالغ زهيدة، فلما سجلوا في ديوان الزكاة وأخذوا مستحقاتهم وجدوها مبالغ كبيرة جدا مقارنة بما سبق، فأقوى الجمعيات في الموصل مثلا كان أقصى ما تعطيه للأسرة الفقيرة 25.000 دينار، أما ما يقدمه الديوان اليوم –ولله الحمد- فهو يصل أحيانا إلى 200.000 دينار للأسرة الواحدة بحسب حجمها واحتياجاتها، فالفرق كبير جدا كما ترى، وهذا بفضل الله، وسببه أن إمكانات الديوان كبيرة، بسبب جباية الزكاة، وكذلك ما نسعى إليه من حصر توزيعها على المستحقين، وحمايتها من أيادي المتلاعبين واللصوص.

- لو تحدثنا عن آلية توزيع الزكاة؟
بالنسبة إلى عملية التوزيع، فأول مراحلها تسجيل الفقراء والمساكين وإحصاؤهم، وذلك عن طريق مراكز الزكاة والمساجد، فكل فقير يسجل اسمه وعنوانه لدى إمام المسجد في الحي الذي يسكنه، أو يقوم أحد من المسلمين بإبلاغ الإمام عن حال هذا الفقير، إن كان متعففا، ثم تخرج لجنة لدراسة كل حالة على الواقع، وتحديد مدى استحقاقها للزكاة، وحجم حاجتها في حال استحقاقها، وبعد ذلك يُرفع الأمر لمركز الزكاة، ويعطى المستحق للزكاة بطاقة يستلم زكاته على أساسها.
وفي كل رأس شهر تنطلق لجان من مراكز الزكاة لتوزيعها في المساجد على المستحقين، فيستلم كل مستحق ما قُدِّر له من مال، وهكذا الأمر في كل شهر، وقد يتفاوت مقدار ما يستلمه المستحق بين شهر وآخر بحسب ما يتوفر في بيت مال الزكاة من أموال مجبية.


◽ المصدر: صحيفة النبأ - العدد 32
الثلاثاء 17 شعبان 1437 ه‍ـ

مقتطف من حوار مع أمير ديوان الزكاة (2)
...المزيد

أمير ديوان الزكاة الآثار الطيبة للزكاة عمّت فقراء المسلمين وأغنياءهم في الحلقة الثانية من ...

أمير ديوان الزكاة
الآثار الطيبة للزكاة

عمّت فقراء المسلمين وأغنياءهم في الحلقة الثانية من حواره مع «النبأ»...

سرد لنا مراحل إحياء فريضة الزكاة من قبل الدولة الإسلامية حتى وصل الحال إلى ما هو عليه اليوم، كما بين آلية توزيع الزكاة على الفقراء والمساكين.
ووضح لـ «النبأ» أيضا فحوى التعميم الأخير بخصوص الذين لم يؤدوا زكاة أموالهم والإجراءات التي ستتخذ بحقهم. - هلّا تحدثنا عن المراحل التي مرت بها الدولة الإسلامية من حيث قيامها بشعيرة الزكاة؟

الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد.

لا يخفى عليكم أن الدولة الإسلامية مرت بمراحل متعددة وكل مرحلة تفرض علينا نمطا معينا من التعامل في هذا الباب سواء في جباية الزكاة، أو إنفاقها في أبوابها الشرعية.

فقبل التمكين كان أغنياء المسلمين يؤدون زكاتهم للدولة الإسلامية، وكنا نركز في إنفاق ما يأتينا في هذا الباب على الفقراء والمساكين من عوائل الشهداء والأسرى على وجه الخصوص، وكذلك ننفق كمّا كبيرا من المال فداءً لإخواننا الأسرى في سجون الرافضة، وقد خرج بهذه الأموال المئات من الإخوة بفضل الله، كما كنا نستخدم جزءا من ذلك المال في تجهيز المقاتلين، وتمويل العمليات ضمن سهم (في سبيل الله).

وفي فترة الصحوات في الشام بدأت بوادر تنظيم العمل في باب الزكاة، بإنشاء مكاتب للصدقات في معظم الولايات، تقوم بتوزيع ما يتوفر من أموال أو مواد غذائية على الفقراء والمساكين على سبيل الصدقة، وذلك من بيت مال المسلمين، حيث كان الوارد من الزكاة والصدقات التي يدفعها المسلمون قليلا حينها.

وبمجرد تحقق التمكين في بعض ولايات الشام، وتطبيق الدولة الإسلامية للشريعة الإسلامية فيما تحت يدها من أرض وبشر، أُنشئت الدواوين المختلفة للقيام على شؤون الدولة الإسلامية، وعلى رأسها فريضة الزكاة، فأُنشئ ديوان الزكاة في رجب من 1435 هـ، وبدأ يباشر عمله في جباية الزكاة وتوزيعها منذ ذلك الحين.
وعندما فتح الله علينا مدينة الموصل ومساحة واسعة من العراق، كان من السهل نقل التجربة فورا إلى الولايات التي فتحها الله، فأنشئت فيها مراكز للزكاة، وكذلك الأمر بما يفتح الله على المسلمين في الولايات في مشارق الأرض ومغاربها، فما أن يُمكَّن لجنود الدولة الإسلامية في بقعة من الأرض حتى يقيموا فيها شرع الله، ويقوموا على تنظيم أداء المسلمين للزكاة فيها، ونحن نرسل لهم كل ما بأيدينا من تجارب، ودراسات شرعية، وننظم لهم هيكلية العمل لديهم، وكمثال لذلك ولاية طرابلس، فرغم بعد المسافة بيننا وبينهم، فقد أقاموا مركز الزكاة لديهم بشكل موافق لما هو عليه الأمر في ولايات العراق والشام، ونسأل الله أن يفتح علينا الأرض كلها فنقيم في كل بقعة منها مركزا للزكاة حتى لا يبقى مكان إلا وتقام فيه هذه الشعيرة العظيمة.


◽ المصدر: صحيفة النبأ - العدد 32
الثلاثاء 17 شعبان 1437 ه‍ـ

مقتطف من حوار مع أمير ديوان الزكاة (2)
...المزيد

الدولة الإسلامية وعالم ما بعد «سايكس – بيكو» العشرات من الاتفاقات عُقدت بين الدول الصليبية ...

الدولة الإسلامية
وعالم ما بعد «سايكس – بيكو»

العشرات من الاتفاقات عُقدت بين الدول الصليبية الاستعمارية لتقاسم بلدان المسلمين خلال القرنين الماضيين، ولكن أشهرها على الإطلاق اتفاقية «سايكس - بيكو» التي أطلق فيها الصليبيون الرصاصة الأخيرة على الدولة العثمانية الحاكمة بالقوانين الوضعية الحامية للقباب الصوفية (وهو ما ظهر جليا في آخر قرونها)، ليرث الصليبيون عنها الأرض والنفوذ في العراق والشام وجزيرة العرب.

وصارت هذه الاتفاقية رمزا للتجزئة المفروضة على المسلمين، التي ورثها الطواغيت عن أسيادهم الصليبيين وسعوا إلى تكريسها، ليقوم كل منهم بإدارة مصالح أسياده في جزء من الأرض، حتى إذا تراجعت كفاءته تم استبداله بطاغوت آخر يقدم مصلحة أكبر للصليبيين، وله القدرة الأكبر على حرب الإسلام والمسلمين.

كان هذا التقسيم أساسا لقيام الحركات القومية العلمانية التي حاولت تغيير الخارطة لتجمع شتات أقوامها التي وزعتها الاتفاقيات على دول متعددة، فتقيم بذلك دولا قومية موحَّدة، كحركات القوميين العرب والأكراد والبلوش والبشتون والترك والبربر والمالاويين وغيرهم، كما انتصب بهذه الدعاوى كثير من الأنظمة الطاغوتية القومية الجاهلية، التي جعلت من الولاء العرقي واللغوي والقُطري أساسا لها.

وبعد قرن من الزمان تفككت أغلب تلك الحركات، وتراجع الطواغيت عن طروحاتهم القومية التي خدعوا بها أتباعهم وأنصارهم لعقود، كاشفين عن حقيقة أنهم أدوات لترسيخ تلك التجزئة، ولا يمكن أن يعملوا ضدها بشكل جاد.

كما خرج للتصدي لتلك الاتفاقيات المئات من الأحزاب والتنظيمات والفصائل التي تزعم الانتساب للإسلام، التي أعلنت كلها عند قيامها العمل على توحيد المسلمين وإزالة الحدود المصطنعة بين بلدانهم، ولكنها بمرور الوقت صارت أداة لترسيخ تلك الحدود، وتعزيز ذلك التفرق، حيث انقسمت بنفسها على أساس قطري ووطني وقومي ولغوي، وصار لكل قسم منها عقيدته الخاصة ومنهجه الخاص، ويعمل بشكل منعزل تماما عن بقية فروع التنظيم أو الفصيل، فضلا عن باقي الأمة.

وحق لمن شاء بذلك أن يضيف على قائمة منتجات اتفاقية «سايكس - بيكو»، كلا من «قوميات سايكس - بيكو» و«أنظمة سايكس - بيكو»، و«أديان سايكس - بيكو»، والقائمة تطول...

لقد حفظ الله الدولة الإسلامية من الوقوع في هذا الشرك، بثباتها على المنهج النبوي ويقينها أن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده الصالحين، وأن الأصل فيها أن تكون كلها موحدة تحت حكم الله تعالى، يدير شؤونها الإمام المسلم الواحد المطاع في المعروف، وأن ما خرج عن هذه الأرض التي هي دار الإسلام، يكون دار كفر وحرب، ينبغي على المسلمين هجرها إلى دار الإسلام، ويجب عليهم قتال أهلها من الكفار، وتباح لهم دماؤهم وأموالهم وأعراضهم، ولم تنحرف -بفضل الله- تحت ضغط الواقع الذي فرضه الصليبيون وعملاؤهم الطواغيت، لتحجر نفسها في بقعة ضيقة من الأرض.

فكان من تيسير الله لها أن تجاوزت حدود «سايكس - بيكو» بجهادها، بإرسالها المجاهدين إلى الشام لقتال النصيرية، ومدهم بما توفر من سلاح ومال، ثم رفض محاولات الضالين ترسيخ تلك الحدود بفصلهم فرعها في الشام عنها، فأعلن أميرها أنها دولة واحدة في العراق والشام، ومع انشغالها بقتال النصيريين فلم تترك قتال الروافض في العراق بل زادت من وطأتها عليهم حتى أذن الله بالفتح، وكسر مجاهدوها الحدود على الأرض بعد أن كسروها في النفوس، وكان التمكين بفضل الله.

ثم كان الإعلان الحاسم بإنهاء كل أشكال التفرق والانقسامات بين المسلمين، سواء منها التي أوجدتها الحدود المصطنعة، أم التي خلقها الطواغيت، أم التي ابتدعتها الفصائل والتنظيمات، وذلك بإعادة الخلافة، ومبايعة خليفة للمسلمين هو الشيخ أبو بكر البغدادي، حفظه الله، وجاءت البيعات من مشارق الأرض ومغاربها، مؤكدة وحدة المسلمين في كل مكان تحت ظل دولة الخلافة، وإنهاء حالة التفرق التي أوجدها الصليبيون، ورسخها الطواغيت، وقامت على أساسها الفصائل والتنظيمات الضالة.

وكما وحدت الدولة الإسلامية -بفضل الله- فسطاط الإيمان باحتوائها المسلمين تحت راية واحدة، فقد وحدت فسطاط الكفر الذي نهضت دوله المتفرقة لتجتمع اليوم على قتالها، والسعي لإعادة الحال لما كان عليه قبل عودة الخلافة، والأيام القادمة ستشهد -بإذن الله- المزيد من الأحداث التي تكون نتيجتها إزالة حدود «سايكس - بيكو» وأخواتها، وإعادة تقسيم العالم على أساس الكفر والإيمان لا على أساس العرق والوطن والقبيلة، وعند ذلك يختار كلٌّ لنفسه ما شاء، فسطاط الإيمان الذي لا نفاق فيه، أم فسطاط الكفر الذي لا إيمان فيه.


◽ المصدر: صحيفة النبأ - العدد 32
الثلاثاء 17 شعبان 1437 ه‍ـ

مقال:
الدولة الإسلامية
وعالم ما بعد «سايكس – بيكو»
...المزيد

النُّزاع من القبائل.. المجاهدون النُّزاع من القبائل الذين فشلت جهود قوى الكفر في قطع مددهم عن ...

النُّزاع من القبائل..

المجاهدون النُّزاع من القبائل الذين فشلت جهود قوى الكفر في قطع مددهم عن أرض الحبشة، وصاروا خطرا يهدّد أمنهم، هم تتمة لمدد الجهاد وقافلة الهجرة التي حاولوا تعطيلها من قبل في العراق فداهمتهم فـي الشام فتحالفوا واستعانوا بالصحوات عليها، فباغتتهم في خراسان فتمالؤوا عليها هناك، ففاجأتهم في الساحل وغرب إفريقية، واليوم يكتوون بنار أبطالها في شرق إفريقية بالقرب من خليج عدن الذي يتسابق طواغيت الإمارات وتركيا على موانئه عبر قرابين الحرب على الجهاد.

ليعلم الكافرون والمرتدون وحكوماتهم أن جذوة من نار الشمس أقرب إليهم من وقف رحى الجهاد الدائرة عبر تاريخ الإسلام الماضي والقريب، وإن جهاد الدولة الإسلامية هو مرحلة من مراحل هذا الجهاد العابر الممتد إلى قيام الساعة.

افتتاحية النبأ "صومال الهجرة والمدد" 476
...المزيد

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً