والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيّّتها [3/3] - التربية على حب القتال في سبيل الله: ...

والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيّّتها
[3/3]

- التربية على حب القتال في سبيل الله:

ومن أعظم نعم الله على الأشبال في أرض الخلافة، التي على الأم استشعارها وحسن استغلالها وشكر الله تعالى عليها، أن ينشأ أبناؤها في كنف بيت أب مجاهد، فيكبرون وقد اعتادت أعينهم الصغيرة على رؤية السلاح من بنادق وجعب ورصاص وقنابل وأحزمة ناسفة، كما وأن متابعة إصدارات المجاهدين وأخبارهم المقروءة والمسموعة، تنمي لدى الشبل حب الجهاد وأهله وبغض من عاداهم، وقد تسمع الأم لوماً من بعض الناس على طريقة تربيتها لأبنائها، متحججين بأن هذا قد يقتل طفولتهم ويميت براءتهم، ولمثل هؤلاء نقول؛ أخرج أبو يعلى بإسناد جيد عن أبي هريرة، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: كان الحسن والحسين -عليهما السلام- يصطرعان بين يدي رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (هَيَّ حسن) ، فقالت فاطمة، رضي الله عنها: يا رسول الله، لم تقول: (هَيَّ حسن)؟ فقال: (إن جبريل عليه السلام يقول: هَيَّ حسين).

وأخرج البخاري في صحيحه عن عبد الرحمن بن عوف أنه قال: «إني لواقف يوم بدر في الصف، نظرت عن يميني وعن شمالي، فإذا أنا بين غلامين من الأنصار حديثة أسنانهما، تمنيت لو كنت بين أضلع منهما، فغمزني أحدهما فقال: يا عم، هل تعرف أبا جهل؟ قال: قلت: نعم، وما حاجتك يا ابني أخي؟ قال: بلغني أنه سب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والذي نفسي بيده لو رأيته لم يفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجل منا، قال: فغمزني الآخر فقال لي مثلها، قال: فتعجبت لذلك، قال: فلم أنشب أن نظرت إلى أبي جهل يجول في الناس، فقلت لهما: ألا تريان؟ هذا صاحبكما الذي تسألان عنه، فابتدراه، فاستقبلهما، فضرباه حتى قتلاه، ثم انصرفا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأخبراه، فقال: (أيكما قتله؟) فقال كل واحد منهما: أنا قتلته، قال: (هل مسحتما سيفيكما؟) قالا: لا، فنظر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في السيفين فقال: (كلاكما قتله)».
وجاء في البداية والنهاية: «عن هشام بن عروة قال: إن أول ما فصح به عبد الله بن الزبير وهو صغير السيف السيف، فكان لا يضعه من فيه، وكان الزبير إذا سمع ذلك منه يقول له: أما والله ليكونن لك منه يوم ويوم وأيام».

وعن عروة بن الزبير أن الزبير أركب ولده عبد الله يوم اليرموك فرسا وهو ابن عشر سنين ووكل به رجلا [رواه البخاري].

- الحرص على اللسان العربي:

وحبذا لو تحرص الأم المسلمة أن تحافظ على عروبة لسان أبنائها، وتقويمه من اللحن، فإن لم يكونوا من العرب فتسعى إلى تعليمهم اللسان العربي، ليتعلموا أمر دينهم، ويختلطوا بجماعة المسلمين، وقد روى الخطيب البغدادي أن عليا وابن عباس وابن عمر -رضي الله عنهم- كانوا يضربون أبناءهم على اللحن


المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 38
الثلاثاء 7 شوال 1437 ه‍ـ

مقال:
والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيّّتها
...المزيد

والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيّّتها [2/3] - التربية على الزهد والخشونة: كما ...

والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيّّتها
[2/3]

- التربية على الزهد والخشونة:

كما ويجدر بالأم المسلمة أن تزرع في نفوس أبنائها أن هذه الدنيا دار سفر، وأن الآخرة هي دار القرار، والله -عز وجل- يقول على لسان مؤمن آل فرعون: {يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآَخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ} [سورة غافر: 39]، وهكذا يزهد هؤلاء الناشئة في هذه الدنيا الفانية فتهون عليهم وتعظم في أعينهم الآخرة، بتربية أمهم لهم على شظف العيش وشيء من الخشونة، وإرضاعهم معنى الزهد، وأن هذه النعم التي نتنعم بها لزوّالة، وليس أفضل في مثل هذا من سيرة إمام الزاهدين -صلى الله عليه وسلم- فعن عروة عن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: «إن كنا لننظر إلى الهلال ثم الهلال ثم الهلال، ثلاثة أهلة في شهرين وما أوقدت في أبيات رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نار!» فقلت: «يا خالة ما كان يعيشكم؟» قالت: «الأسودان التمر والماء، إلا أنه قد كان لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- جيران من الأنصار كانت لهم منائح، وكانوا يمنحون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من ألبانهم فيسقينا» [متفق عليه].

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا) [متفق عليه]؛ قال ابن حجر: «(قوتا): أي اكفهم من القوت بما لا يرهقهم إلى ذل المسألة ولا يكون فيه فضول تبعث على الترفه والتبسط في الدنيا» [فتح الباري].

نعم هذا ما سأله النبي -صلى الله عليه وسلم- لآل بيته رغم أن جبريل -عليه السلام- قد أتاه بمفاتيح خزائن الأرض ولكنه -صلى الله عليه وسلم- زهد فيها، وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: «ما شبع آل محمد -صلى الله عليه وسلم- من طعام ثلاثة أيام حتى قُبض» [رواه البخاري]، وها هو النبي -صلى الله عليه وسلم- حبيب الحق وصفيه وخير خلقه ينام على الحصير حتى تدمي جنبه ويراه عمر -رضي الله عنه- فيبكي لذلك، فيقول له النبي: (ما يبكيك؟) فيقول: يا رسول الله إن كسرى وقيصر فيما هما فيه، وأنت رسول الله، فقال: (أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة) [متفق عليه].

هكذا كان حال نبينا -صلوات ربنا وسلامه عليه- في هذه الدنيا، وعلى مثل هذا يجب أن يتربى جيل الخلافة، فيَنشأ جيلاً صلباً خشناً قد عركته الحياة وشدت عوده، ويتهيأ بذلك لحمل الأمانة وأخذ الراية والاستخلاف في الأرض، عن أبي عثمان النهدي، قال: «أتانا كتاب عمر بن الخطاب: اخشوشنوا، واخشوشبوا، واخلولقوا، وتمعددوا كأنكم معد، وإياكم والتنعم، وزي العجم» [رواه الطحاوي في «شرح معاني الآثار»].


المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 38
الثلاثاء 7 شوال 1437 ه‍ـ

مقال:
والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيّّتها
...المزيد

والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيّّتها [1/3] حريّ بكلّ أمٍّ أنعم الله عليها بنعمة ...

والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيّّتها
[1/3]


حريّ بكلّ أمٍّ أنعم الله عليها بنعمة الإنجاب في ربوع دولة الإسلام، أن تستغل هذا الفضل العظيم الذي آتاها الله تعالى دون غيرها من النساء، فتسعى جاهدة لتنشئة أبنائها تنشئة ترضي بها ربها وتنفع بها أمتها، كيف لا؟ وهي الأم المنجبة والحاضنة والمربية، بينما الرجال الآباء هم بين عمل ورباط.

فعن عبد الله بن عمر، قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (كلكم راعٍ، وكلكم مسؤول عن رعيته، الإمام راعٍ ومسؤول عن رعيته، والرجل راعٍ في أهله وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، والخادم راعٍ في مال سيده ومسؤول عن رعيته) [متفق عليه].

وقد عرّف أهل العلم الراعي على أنه الحافظ المؤتمن الملتزم صلاح ما اؤتمن على حفظه، فهو مطلوب بالعدل فيه، والقيام بمصالحه، ومسؤول هل قام بما يجب لرعيته أو لا.

وعندما يقول النبي، صلى الله عليه وسلم: (والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها)، فهذا تكليف عظيم وأمانة كبيرة قد وُسِّدت للمرأة المسلمة، فيها من الأجر والثواب ما فيها، إن هي أدت ما عليها في حق رعيتها وهم الأبناء، وفيها من الحساب والعقاب ما فيها، إن هي ضيّعت هذه الأمانة وفرطت في حق رعيتها.
قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [سورة التحريم: 6]، وقال ابن عمر -رضي الله عنهما- لرجل: «أدِّب ابنك، فإنك مسؤول عن ولدك، ماذا أدّبته، وماذا علمته، وإنه مسؤول عن برّك وطواعيته لك» [رواه البيهقي].

- الابتداء بالتوحيد:

وإن أول ما على الأم المسلمة تنشئة الأطفال عليه عند أول نطقهم، تلقينهم شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ومعناها، ومما يروى عن علي بن الحسين -رحمه الله- أنه كان يعلم ولده ويقول: (قل آمنت بالله وكفرت بالطاغوت) [رواه ابن أبي شيبة]، وكذلك تلقن الأم طفلها الأصول الثلاثة: من ربك؟ ما دينك؟ من نبيك؟ وأيضا سؤال الطفل: أين الله؟ وما هو القرآن؟ ومثل هذه الأسئلة التي تضع أسسا للعقيدة السليمة والتوحيد الصافي في نفس الطفل.

ومن أجمل ما قد يتعلمه الطفل معية الله -سبحانه وتعالى- لعبيده، فيتعلم الخشية من الله -عز وجل- ويعظم شأن الخالق في نفسه، ويتحسس مراقبته له في سره وعلانيته، وهذا عبد الله التستري -رحمه الله- كان وهو طفل يردد قبل أن ينام: (الله شاهدي، الله ناظري، الله معي) [رواه ابن أبي شيبة].

- صلاح الأم سبب لإصلاح أبنائها:

وعلى الأم المربية المعلمة القدوة أن تصلح من نفسها حتى تنجح في إصلاح رعيتها في بيتها، فإن صلاح الرعية من صلاح الراعي، وصلاح الأبناء من صلاح الأم.

وقد روى ابن أبي الدنيا أن عتبة بن أبي سفيان قال لمؤدِّب ولده: «أبا عبد الصمد، ليكن أول إصلاحك بَنِيَّ إصلاحك نفسك؛ فإن عيوبهم معقودة بعيبك، الحسن عندهم ما صنعت والقبيح عندهم ما استقبحت» [النفقة على العيال].


المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 38
الثلاثاء 7 شوال 1437 ه‍ـ

مقال:
والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيّّتها
...المزيد

صحيفة النبأ العدد 38 رسالة الشيخ محمد بن عبد الوهاّب للموحدين من محمد بن عبد الوهّاب، إلى من ...

صحيفة النبأ العدد 38
رسالة الشيخ محمد بن عبد الوهاّب للموحدين


من محمد بن عبد الوهّاب، إلى من يصل إليه من الإخوان المؤمنين بآيات الله، المصدّقين لرسول الله، التابعين للسواد الأعظم من أصحاب رسول الله، والتابعين لهم بإحسان، وأهل العلم والإيمان، المتمسكين بالدين القيم عند فساد الزمان، الصابرين على الغربة والامتحان، سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أما بعد: فإن الله سبحانه بعث نبيكم -صلى الله عليه وسلم- على حين فترة من الرسل، وأهل الأرض من المشرق إلى المغرب، قد خرجوا عن ملة إبراهيم، وأقبلوا على الشرك بالله، إلا بقايا من أهل الكتاب، فلما دعا إلى الله، ارتاع أهل الأرض من دعوته، وعادَوْه كلهم، جُهّالهم وأهل الكتاب، عبّادهم وفسّاقهم، ولم يتبعه على دينه إلا أبو بكر الصديق، وبلال وأهل بيته -صلى الله عليه وسلم- خديجة وأولادها، ومولاه زيد بن حارثة، وعلي، رضي الله عنه.

قال عمرو بن عبسة: لما أتيت النبي -صلى الله عليه وسلم- بمكة قلت: ما أنت؟ قال: نبي. قلت: وما نبي؟ قال: أرسلني الله. قلت: بأي شيء أرسلك؟ قال: بصلة الأرحام، وكسر الأوثان، وأن يُعبد الله لا يُشرك به شيء. قلت: من معك على هذا؟ قال: حر وعبد. ومعه يومئذ أبو بكر، وبلال.

فهذا صيغة بُدوّ الإسلام وعداوة الخاص والعام له، وكونه في غاية الغربة، ثم قد صح عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (بدأ الإسلام غريبا، وسيعود غريبا كما بدأ) فمن تأمل هذا وفهمه، زالت عنه شبهات شياطين الإنس، الذين يجلبون على من آمن برسول الله -صلى الله عليه وسلم- بخيل الشيطان ورجله.

فاصبروا يا إخواني، واحمدوا الله على ما أعطاكم، من معرفة الله سبحانه، ومعرفة حقه على عباده، ومعرفة ملة أبيكم إبراهيم، في هذا الزمان التي أكثرُ الناس منكر لها، واضّرعوا إلى الله أن يزيدكم إيمانا ويقينا وعلما، وأن يثبت قلوبكم على دينه، وقولوا كما قال الصالحون، الذين أثنى الله عليهم في كتابه: {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [سورة آل عمران: 8]
واعلموا أن الله سبحانه، قد جعل للهداية والثبات أسبابا، كما جعل للضلال والزيغ أسبابا؛ فمن ذلك: أن الله سبحانه أنزل الكتاب، وأرسل الرسول، ليبين للناس ما اختلفوا فيه، كما قال تعالى: {وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [سورة النحل: 64] فبإنزال الكتب، وإرسال الرسول، قطع العذر، وأقام الحجة، كما قال تعالى: {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [سورة النساء: 165].

فلا تغفلوا عن طلب التوحيد وتعلمه، واستعمال كتاب الله وإجالة الفكر فيه، وقد سمعتم من كتاب الله ما فيه عبرة، مثل قولهم: نحن موحدون، نعلم أن الله هو النافع الضار، وأن الأنبياء وغيرهم لا يملكون نفعا ولا ضرا، لكن نريد الشفاعة، وسمعتم ما بيّن الله في كتابه، في جواب هذا، وما ذكر أهل التفسير وأهل العلم، وسمعتم قول المشركين: الشرك عبادة الأصنام، وأما الصالحون فلا، وسمعتم قولهم: لا نريد إلا من الله، لكن نريد بجاههم*، وسمعتم ما ذكر الله في جواب هذا كله.

وقد منّ الله عليكم بإقرار علماء المشركين بهذا كله، سمعتم إقرارهم أن هذا الذي يفعل في الحرمين، والبصرة، والعراق، واليمن، أن هذا شرك بالله، فأقروا لكم أن هذا الدين الذي ينصرون أهله، ويزعمون أنهم السواد الأعظم، أقروا لكم أن دينهم هو الشرك.

وأقروا لكم أيضا أن التوحيد الذي يسعون في إطفائه، وفي قتل أهله وحبسهم، أنه دين الله ورسوله، وهذا الإقرار منهم على أنفسهم، من أعظم آيات الله، ومن أعظم نعم الله عليكم، ولا يبقى شبهة مع هذا إلا للقلب الميت، الذي طبع الله عليه، وذلك لا حيلة فيه.

ولكنهم يجادلونكم اليوم بشبهة واحدة، فأصغوا لجوابها، وذلك أنهم يقولون: كل هذا حق، نشهد أنه دين الله ورسوله، إلا التكفير والقتال، والعجب ممن يخفى عليه جواب هذا! إذا أقرّوا أن هذا دين الله ورسوله، كيف لا يكفر من أنكره وقتل من أمر به وحبسهم، كيف لا يكفر من أمر بحبسهم؟! كيف لا يكفر من جاء إلى أهل الشرك، يحثهم على لزوم دينهم وتزيينه لهم؟! ويحثهم على قتل الموحدين، وأخذ مالهم، كيف لا يكفر، وهو يشهد أن هذا الذي يحث عليه، أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أنكره ونهى عنه؟! وسماه الشرك بالله، ويشهد أن هذا الذي يبغضه، ويبغض أهله، ويأمر المشركين بقتلهم، هو دين الله ورسوله!

واعلموا أن الأدلة على تكفير المسلم الصالح إذا أشرك بالله، أو صار مع المشركين على الموحدين ولو لم يشرك، أكثر من أن تحصر، من كلام الله، وكلام رسوله، وكلام أهل العلم كلهم.

وأنا أذكر لكم آية من كتاب الله، أجمع أهل العلم على تفسيرها، وأنها في المسلمين، وأن من فعل ذلك فهو كافر في أي زمان كان، قال تعالى: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ} [سورة النحل: 106] إلى آخر الآية وفيها: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآَخِرَةِ} [سورة النحل: 107] ؛ فإذا كان العلماء ذكروا أنها نزلت في الصحابة لما فتنهم أهل مكة، وذكروا: أن الصحابي إذا تكلم بكلام الشرك بلسانه، مع بغضه لذلك وعداوة أهله، لكن خوفا منهم، أنه كافر بعد إيمانه، فكيف بالموحد في زماننا، إذا تكلم في البصرة، أو الإحساء، أو مكة، أو غير ذلك خوفا منهم، لكن قبل الإكراه، وإذا كان هذا يكفر، فكيف بمن صار معهم، وسكن معهم، وصار من جملتهم؟! فكيف بمن أعانهم على شركهم، وزينه لهم؟ فكيف بمن أمر بقتل الموحدين، وحثهم على لزوم دينهم؟
فأنتم وفقكم الله تأملوا هذه الآية، وتأملوا من نزلت فيه، وتأملوا إجماع العلماء على تفسيرها، وتأملوا ما جرى بيننا وبين أعداء الله، نطلبهم دائما الرجوع إلى كتبهم التي بأيديهم، في مسألة التكفير والقتال، فلا يجيبوننا إلا بالشكوى عند الشيوخ، وأمثالهم، والله أسأل أن يوفقكم لدينه القيم، ويرزقكم الثبات عليه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

* يقصد الشيخ بهم الذين يستشفعون بالأموات قائلين «يا فلان اشفع لي عند الله» ونحوه زاعمين أنهم يتقربون إلى الله بجاه الصالحين، وهذا هو عين شرك الجاهلية الأولى، قال تعالى: {أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَىٰ} [سورة الزمر: 3].


المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 38
الثلاثاء 7 شوال 1437 ه‍ـ
...المزيد

صحيفة النبأ العدد 38 مجاهدون.. في كل أرض وتحت كل سماء إن من يراقب أفعال أعداء الدولة ...

صحيفة النبأ العدد 38
مجاهدون.. في كل أرض وتحت كل سماء


إن من يراقب أفعال أعداء الدولة الإسلامية اليوم، ليعجب من عظيم مكر الله بهم، ويسخر من خفة عقولهم، ويفرح كثيرا بتأييد الله ونصره لأوليائه.

ففي كل يوم يخرج قادتهم مستعرضين بالخرائط الملونة عدد الأمتار التي استطاعوا انتزاعها من يد المجاهدين، دون أن يكلّفوا أنفسهم عناء المقارنة بين التكاليف التي دفعتها الدولة الإسلامية لأخذ هذه الأرض، والتكاليف التي تكبّدوها هم لاستعادة السيطرة عليها مرّة أخرى.

وفي كل يوم يقيمون احتفالا بنصر مزعوم هنا أو هناك، وتثملهم نشوة هذه الانتصارات فترة من الزمن، فينامون سكارى وهم يحلمون بأن يستفيقوا على إعلان لانتصار حقيقي على الدولة الإسلامية، فيخيّب الله ظنونهم، حين توقظهم من سكرتهم أنباء فتوحات جديدة لجنود التوحيد في مشارق الأرض ومغاربها، حتى باتوا يتخوفون من أن يجعل الله في أي خطوة يخطونها وأي انتصار موهوم يحققونه نعمة لعباده المجاهدين ويسرا عليهم، ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين.

ولنا اليوم في احتفالاتهم باستعادة السيطرة على مدينة الفلوجة صورة حيّة؛ فالمدينة التي سيطر عليها جنود الدولة الإسلامية وحققوا منها أهدافهم بأن أقاموا فيها الدين كاملا ما دامت تحت سلطانهم، وجعلها الله على أيديهم شوكة في حلوق الرافضة لثلاثين شهرا أو يزيد، وخسروا على أسوارها عشرات الألوف من القتلى والجرحى، وما لا يحصى من السلاح والعتاد والأموال، لم يتمكن المرتدون من استعادتها إلا بعد أن حشدوا أكثر من ثلاثين ألفا من المقاتلين، وأسرابا من الطائرات الحربية الصليبية، ولم يدخلوها إلا وهم يتشحطون بدمائهم، فلم يجدوا فيها من جثث جنود الخلافة ما يرقصون فوقها، ولا من سلاحهم وعتادهم ما يفرحون باغتنامه، فصبّوا جام غضبهم على الجدران والأحجار يحرقونها لينفسوا ما في داخلهم من غيض، ويدمرونها ليزيلوا ذكريات مريرة تعصف بأذهانهم وهم يحصون التكلفة الباهظة التي دفعوها لتحقيق هذا الهدف الذي يعلمون هم أكثر من غيرهم أن قيمته بالنسبة إليهم دعائية لا أكثر، فيما قيمة ما حققه جنود الخلافة كبيرة جدا وعلى كل الأصعدة، والحمد لله وحده.

فقد ثبّت الله المسلمين في الفلوجة تحت حصار خانق محكم لمدة تسعة أشهر، صابرين على الجوع وقلة السلاح والعتاد، دون أن يملؤوا الدنيا بكاء وعويلا، بل ولم يوقفوا غاراتهم على المشركين، مطلقين الحملة تلو الحملة، محققين فيهم النكاية العظيمة، فلما احتشدت عليهم الأحزاب وأحاطت بهم غرسوا أقدامهم في الأرض، ولم يسلموا منها شبرا إلا وقد أجروا بقربه نهرا من دماء المرتدين، واستمرّوا على حالهم مدافعين لعدوهم حتى أعذرهم الله بأن استقر كل ما في أيديهم من ذخيرة في صدور الروافض المشركين، واستحال كل ما في أيديهم من متفجرات نارا أحرق الله بها أجساد المرتدين، فخرجوا من ساحة المعركة مكلّلين بالفخار، متحرفين لقتال ومتحيّزين إلى فئة، بعد أن عرّفوا الكفار قيمة الثمن الذي عليهم الاستعداد لدفعه إن أغرتهم نفوسهم بالمسير للقاء عساكر التوحيد وجنود الخلافة، وبيّنوا للمسلمين حقيقة الرافضة وحجم حقدهم على أهل الإسلام، وما سينال المسلمين إذا ما تمكّنوا منهم.

خرج المجاهدون من الفلوجة وهم -بفضل الله- أضعاف ما كانوا عليه حين دخولها، أصلب عودا، وأشد حنكة في الحرب، وأشد شوقا لسفك دماء المشركين في كل أرض، سهاما في كنانة أمير المؤمنين -تقبله الله- يلقيها في صدور أعداء الإسلام، ومددا لإخوانهم في كل الجبهات يجبرون كسرهم، ويسدون ثغرهم، ويشاركونهم فتحهم ونصرهم.

خرجوا من الفلوجة وهم -بإذن الله- لا ينتابهم أدنى شك أنهم أقاموا فيها بما يرضي ربهم، فأقاموا الدين كاملا غير منقوص، وأزالوا الشرك وأهله، وحكّموا الشريعة، وأقاموا الصلاة، وآتوا الزكاة، وأمروا بالمعروف، ونهوا عن المنكر، وجاهدوا في سبيل الله، وبذلوا كل ما في وسعهم ليحفظوا ذلك كله، وهم عازمون اليوم وكل يوم على إعادة تلك الأرض وكل أرض إلى حمى الإسلام، وإخضاعها لأحكام الشريعة.

خرجوا وهم الكُرّار المتحفّزون للعودة إلى تلك الأرض، ليذوق أعداء الله على أيديهم أضعاف ما ذاقوه في الجولات الماضية، وليسوقوا الروافض سوقا أمامهم، لا إلى بغداد، ولكن إلى حيث ميعاد ثأرنا من المشركين، في النجف الأشرك، وكربلاء المدنّسة، بإذن الله، ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله، ينصر من يشاء، وهو العزيز الرحيم.


المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 38
الثلاثاء 7 شوال 1437 ه‍ـ
...المزيد

أعداء عملاء وهنا لفتة مهمة لأهلنا في السودان أن كلا الطرفين المتحاربين عدو مبين للإسلام ...

أعداء عملاء

وهنا لفتة مهمة لأهلنا في السودان أن كلا الطرفين المتحاربين عدو مبين للإسلام والمسلمين، فلكل منهما مشروع جاهلي مدعوم من قوى خارجية كافرة تتصارع هذه القوى على أرضكم عبر بيادقها، مقابل حصولها على حصتها من التركة السودانية وبالتالي لا ينبغي لعامة المسلمين الانخداع بأي طرف منهما، فـ "البرهان وحميدتي" كلاهما عدو للإسلام فيجب معاداتهما والكفر بهما، وعدم التعويل على أي منهما مهما كانت نتيجة المعركة بينهما، فإن المنتصر منهما عدو للإسلام ومشاريعه على الأرض مهما زينها وغلفها لن تكون سوى نسخة مكررة من مشاريع نظرائهم طواغيت العرب المحاربة للإسلام والمسلمين.

مقتبس من إفتتاحية صحيفة النبأ العدد 479
...المزيد

صحيفة النبأ العدد 37 دين الإسلام وجماعة المسلمين إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله ...

صحيفة النبأ العدد 37
دين الإسلام وجماعة المسلمين

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم، أما بعد:

هذه السلسلة في بيان حقيقة الإسلام وضرورة الجماعة، نسأل الله أن يفقّهنا وإيّاكم في الدين ويثبّتنا على لزوم جماعة المسلمين.

قال الله، جلّ وعلا: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [سورة المائدة: 5]، وقال جلّ وعلا: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} [سورة آل عمران: 19]، وقال جلّ وعلا: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [سورة آل عمران: 85].

فالدين الذي رضي الله للناس والذي لا يقبل منهم سواه هو الإسلام، وحقيقته لغة وشرعا: السلامة -أي الإخلاص- والاستسلام -أي الانقياد- لله.
قال أبو العباس بن تيمية، رحمه الله: «الإسلام هو الاستسلام لله وحده، ولفظ الإسلام يتضمّن الإسلام، ويتضمّن إخلاصه لله... فمن لم يستسلم له، لم يكن مسلما، ومن استسلم لغيره كما يستسلم له، لم يكن مسلما، ومن استسلم له وحده، فهو المسلم، كما في القرآن: {بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [سورة البقرة: 112]، وقال: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا} [سورة النساء: 125]» [النبوات].

وقال رحمه الله: «الإسلام الذي هو دين الله الذي أنزل به كتبه وأرسل به رسله... هو أن يسلم العبد لله رب العالمين فيستسلم لله وحده لا شريك له ويكون سالما له بحيث يكون متألّها له غير متألّه لما سواه، كما بيّنته أفضل الكلام ورأس الإسلام وهو شهادة أن لا إله إلا الله؛ وله ضدان: الكبر والشرك، ولهذا رُوي أن نوحا -عليه السلام- أمر بنيه بلا إله إلا الله وسبحان الله ونهاهم عن الكبر والشرك [رواه أحمد عن عبد الله بن عمرو]... فإن المستكبر عن عبادة الله لا يعبده فلا يكون مستسلما له، والذي يعبده ويعبد غيره يكون مشركا به فلا يكون سالما له بل يكون له فيه شرك؛ ولفظ الإسلام يتضمن الاستسلام والسلامة التي هي الإخلاص» [الفتاوى]، «وكل واحد من المستكبرين والمشركين ليسوا مسلمين» [النبوات].

فلا يكون المرء مسلما إلا بالتزام الإسلام بهذين المعنَيين، فمن لم يستسلم لله -كمن ترك جنس العمل أو امتنع بشوكة عن بعض الشرائع الظاهرة المتواترة- لم يكن إلا كافرا، ومن لم يكن سالما لله -كمن عبد الأنبياء والأولياء مقلّدا ومتأوّلا- لم يكن إلا مشركا ولو صلى وصام وزعم أنه مسلم، وهذه الحقائق دلّت عليها شهادة أن لا إله إلا الله، قال أبو العباس بن تيمية، رحمه الله: «الإله هو المعبود المطاع» بحق [تيسير العزيز الحميد]، فلا معبود ولا مطاع بحق إلا الله، وهذه الكلمة متضمّنة لمعنَيي السلامة والاستسلام لله، وهي دعوة جميع الأنبياء والمرسلين إلى أقوامهم وأممهم.

قال أبو العباس بن تيمية، رحمه الله: «لفظ الإسلام... له معنيان، أحدهما: الدين المشترك وهو عبادة الله وحده لا شريك له الذي بعث به جميع الأنبياء، كما دل على اتحاد دينهم نصوص الكتاب والسنة، والثاني ما اختص به محمد، صلى الله عليه وسلم... وله مرتبتان: إحداهما الظاهر من القول والعمل وهي المباني الخمس، والثانية: أن يكون ذلك الظاهر مطابقا للباطن» [الفتاوى].

وهذه المباني الخمس التي هي حقيقة الإسلام قولا وعملا، ظاهرا وباطنا، بيّنها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بقوله: (بُني الإسلام على خمس، شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان) [رواه البخاري ومسلم عن ابن عمر]، وفي رواية: (بُني الإسلام على خمسة، على أن يوحّد الله) [رواه مسلم عن ابن عمر]، وفي رواية: (بُني الإسلام على خمس، على أن يُعبد الله، ويُكفر بما دونه) [رواه مسلم عن ابن عمر]، فلم يكن الإسلام الذي اختصت به شريعة محمد -صلى الله عليه وسلم- إسلاما من غير سلامة واستسلام لله، بل إن المباني الخمس شُرعت ليكون المرء سالما لله مستسلما له بالتزام التوحيد واتّباع الرسول -صلى الله عليه وسلم- والقيام بالمباني، وقال إسحاق بن راهويه، رحمه الله: «غلت المرجئة حتى صار من قولهم: من ترك المكتوبات، وصوم رمضان، والزكاة، والحج، وعامة الفرائض من غير جحود بها، إنّا لا نكفّره، ويُرجأ أمره إلى الله بعد إذ هو مقرّ [بها]؛ فهؤلاء المرجئة الذين لا شك فيهم» [مسائل حرب الكرماني].

ثم إن علاقة السلامة بالاستسلام بيّنها الله في آيات كثيرة من كتابه، منها أمره بقتال المشركين، قال جلّ وعلا: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} [سورة التوبة: 11]، قال الفضيل بن عياض -رحمه الله- بعد أن تلا الآية السابقة: «فالتوبة من الشرك جعلها الله -عز وجل- قولا وعملا بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، وقال أصحاب الرأي: ليس الصلاة ولا الزكاة ولا شيء من الفرائض من الإيمان، افتراءً على الله -عز وجل- وخلافا لكتابه وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم- ولو كان القول كما يقولون لم يقاتل أبو بكر -رضي الله عنه- أهل الردة!» [السنة لعبد الله بن أحمد].

وأجمع الصحابة -رضي الله عنهم- على أنه لا إسلام بلا استسلام، فكفّروا تارك الصلاة كسلا –وهو تارك لجنس العمل- وكفّروا مانعي الزكاة -وهم ممتنعون بشوكة عن بعض الشرائع الظاهرة المتواترة- وخالفهم مرجئة الفقهاء في ذلك، فلم يعرفوا حقيقة الإسلام الذي رضيه الله للناس دينا، وكذلك أجمع الصحابة -رضي الله عنهم- على أنه لا إسلام بلا سلامة، فكفّروا صنف أهل الردة الذين عادوا إلى عبادة الأوثان -وهي أصنام وُضعت تصويرا للصالحين- ولم يجعلوا حداثة عهد الناس بالجاهلية وظهور الدجالين المتنبئين وتغلب مانعي الزكاة على ديار المسلمين موانع من تكفير أعيانهم، وخالفهم في ذلك جهمية العصر، الذين عارضوا قول الرسول، صلى الله عليه وسلم: (من مات وهو يعلم أنه لا إله إلا الله، دخل الجنة) [رواه مسلم عن عثمان].

فلا يكون بنيان الإسلام من غير هذه المباني، ومن يستهين بركن منه، يوشك أن يسقط عليه البنيان، فإن سقط، هلك في الدنيا بالسيف قبل الآخرة بالنار، قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (من بدّل دينه فاقتلوه) [رواه البخاري عن ابن عباس]، إلا أن أعظم هذه الأركان هو الركن الأول الذي لا يصح إسلام المرء من دونه أبدا، وهو شهادة التوحيد، شهادة أن لا إله إلا الله، أن لا معبود ولا مطاع بحق إلا الله، وهي متضمنة لتوحيد الألوهية والربوبية والأسماء والصفات، قال أبو العباس بن تيمية، رحمه الله: «لا إله إلا الله: إثبات انفراده بالإلهية، والإلهية تتضمن كمال علمه وقدرته ورحمته وحكمته، ففيها إثبات إحسانه إلى العباد، فإن الإله هو المألوه، والمألوه هو الذي يستحق أن يُعبد، وكونه يستحق أن يُعبد هو بما اتصف به من الصفات التي تستلزم أن يكون هو المحبوب غاية الحب، المخضوع له غاية الخضوع» [تيسير العزيز الحميد].

وشهاد أن لا إله إلا الله، هي شهادة الإيمان بالله والكفر بالطاغوت، أن يُعبد الله وحده ويُكفر بما دونه، وهي ملة إبراهيم -عليه السلام- الذي أُمرنا باتباعه، والذي قال لقومه: {إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} [سورة الممتحنة: 4].

قال الإمام محمد بن عبد الوهاب، رحمه الله: «[الإسلام] هو الاستسلام لله بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة، والبراءة من الشرك وأهله» [ثلاثة الأصول]، فهو السلامة والاستسلام لله.

ولا يكون المرء مسلما ما لم يعبد الله وحده ويكفر بما دونه، كما بيّن ذلك حديث المباني الخمس: (بُني الإسلام على خمس، على أن يُعبد الله، ويُكفر بما دونه) [رواه مسلم عن ابن عمر]، فلا إسلام من غير عبادة الله (الاستسلام)، ولا إسلام من غير الكفر بالطاغوت (السلامة)، ولا يسلم المرء من رجس الشرك ونجاسة أهله ما لم يكفر بطواغيت زمانه، وبشركهم ومشركيهم، كالديمقراطيين والوطنيين والقوميين والقانونيين المرتدين عن الإسلام، ومن هؤلاء المرشَّحين والمصوِّتين في الانتخابات والاستفتاءات من الأحزاب «الإسلامية» المزعومة، والمتحاكمين إلى المحاكم الوضعية بدعوى المصلحة والضرورة، وعساكر الطاغوت وأنصاره من المجنَّدين و»المشايخ»، وطائفة «الإخوان المرتدين» وأحزابها وفصائلها وأخواتها التي جحدت التوحيد والشريعة والولاء والبراء والجهاد وامتنعت عن التزامها وحاربتها واستهزأت بها وظاهرت الصليبيين والطواغيت في الحرب عليها، بل يجب على المسلم أن يُظهر كفره بهؤلاء ما استطاع إلى ذلك سبيلا، بالقلم واللسان، والسيف والسنان، متّبعا في ذلك خليلَي الرحمن -عليهما أفضل الصلاة والسلام- والله المستعان، وعليه التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بالله.


المصدر: صحيفة النبأ - العدد 37
الثلاثاء 23 رمضان 1437 ه‍ـ

مقال - دين الإسلام وجماعة المسلمين
...المزيد

العَشْرُ الأَواخرُ؛ تِجارةٌ معَ اللهِ لَا اعتكافٌ فِي الأَسْواقِ كثيرة هي المواسم التي تُضاعَف ...

العَشْرُ الأَواخرُ؛ تِجارةٌ معَ اللهِ لَا اعتكافٌ فِي الأَسْواقِ


كثيرة هي المواسم التي تُضاعَف فيها الحسنات، ويبارك الله تعالى فيها للمتعبدين والمتعبدات، وعلى قدر أهل التنفّل والتبتّل تأتي الأجور وتُرفع المنازل، ولعله من أكثر المواسم بركة للمسلم، وأعظمها خيرا العشر الأواخر من رمضان، ولقد اختلف أهل العلم في أفضل أيام السنة، فمن قائل أنها العشر الأواخر من رمضان، ومن قائل بأنها العشر الأوائل من ذي الحجة، ولكن شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- له تفصيل نفيس في المسألة حيث سئل عن عشر ذي الحجة والعشر الأواخر من رمضان أيهما أفضل؟،
فأجاب: «أيام عشر ذي الحجة أفضل من أيام العشر من رمضان، والليالي العشر الأواخر من رمضان أفضل من ليالي عشر ذي الحجة» [مجموع الفتاوى].

عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: «كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا دخل العشر، أحيا الليل، وأيقظ أهله، وجدّ، وشدّ المئزر» [رواه البخاري ومسلم].

وفي حديث آخر: قالت عائشة، رضي الله عنها: «كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يجتهد في العشر الأواخر، ما لا يجتهد في غيره» [رواه مسلم].

والعشر الأواخر من رمضان فيها ليلة خير من ألف شهر، وهي ليلة القدر، قال النووي: «قال العلماء: وإنّما سُمِّيت بذلك لما يكتب فيها الملائكة من الأقدار والأرزاق والآجال التي تكون في تلك السنة، لقوله تعالى: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} [سورة الدخان: 4]، وقوله تعالى: {تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} [سورة القدر: 4-5] ومعناه يظهر للملائكة ما سيكون فيها، ويأمرهم بفعل ما هو من وظيفتهم، وكل ذلك مما سبق علم الله تعالى به وتقديره له، وقيل: سُمِّيت بها لعظم قدرها وشرف أمرها، وأجمع من يُعتد به على وجودها ودوامها إلى آخر الدهر للأحاديث الصحيحة المشهورة».
عن أبي سلمة، قال: «تذاكرنا ليلة القدر، فأتيت أبا سعيد الخدري -رضي الله عنه- وكان لي صديقا، فقلت: ألا تخرج بنا إلى النخل؟ فخرج وعليه خميصة فقلت له: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يذكر ليلة القدر؟ فقال: نعم، اعتكفنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- العشر الوسطى من رمضان، فخرجنا صبيحة عشرين، فخطبَنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: (إني أُريت ليلة القدر، وإني نسيتها أو أُنسيتها، فالتمسوها في العشر الأواخر من كل وتر، وإني أُريت أني أسجد في ماء وطين، فمن كان اعتكف مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فليرجع)» [متفق عليه].

و (من كل وتر) أي: الحادي والعشرين، والثالث والعشرين، والخامس والعشرين، والسابع والعشرين، والتاسع والعشرين. وقد قال بعض أهل العلم أن قوله صلى الله عليه وسلم: (وإني نسيتها أو أنسيتها) محمول على كونه لو تذكرها وأخبر الناس عنها، فلربما قل اجتهادهم في العشر واقتصروا على إحياء تلك الليلة المعلومة بعينها، ولذلك أخفاها الله تعالى عن عباده كما أخفى ساعة الإجابة من يوم الجمعة وغيرها، والمأمور بقيامها هي جميع تلك الليالي العشر الفاضلة مع الاجتهاد في طلب ليلة القدر والعمل على إدراكها.
وعن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (تحروا ليلة القدر في الوتر، من العشر الأواخر من رمضان) [رواه البخاري]. والتحري أي الاجتهاد في الطلب، والحث على التقرب إلى الله في تلك العشر بالقيام والقرآن والدعاء.

وإن مما يستغرب منه المرء أن نجد كثيرا من النساء اليوم يفرطن في هذا الأجر العظيم، ويضيعن الأوقات الثمينة في هذا الموسم المبارك.
وأبرز مظاهر تضييع الأوقات في هذه الليالي المباركة الانشغال بالتحضيرات لاستقبال عيد الفطر، حيث تنصرف همم بعضهن إلى شراء الملابس وإعداد الأطعمة والحلويات والتحضير للزيارات والمعايدات.

وهذه الأمور وإن كانت مباحة، ولكن الانشغال بالمباحات عن المندوب إليها من العبادات تضييع لخير عظيم.

فنرى من تدمن على التجول في الأسواق في الليالي العشر الأواخر، لتشتري لنفسها أو لأطفالها الثياب، وما يحتاجه بيتها في العيد، فتقضي كل ليلة في السوق الساعات الطوال، ثم تعود في الليلة التالية لتبحث عن غرض آخر، أو قطعة أخرى من اللباس.

وهكذا تنقضي الليالي ليلة بعد ليلة فلا تشعر المسلمة إلا وقد انقضى رمضان، فتقعد متحسّرة على ما فاتها من ثواب القيام وتلاوة القرآن، هذا بالإضافة إلى ما نالته من إثم بكثرة نزولها للسوق لغير حاجة، وعدم طاعتها الأمر الشرعي بالقرار في البيت، وتعريض نفسها وغيرها للفتن والمعاصي.
فكيف يخفى على المسلمة دعاء جبريل -عليه السلام- وتأمين النبي -صلى الله عليه وسلم- عليه: (أرغم الله أنف عبد -أو بَعُدَ- دخل رمضان فلم يغفر له) [رواه ابن خزيمة وابن حبّان]؟ بل كيف لا نجزع لمثل هذا فنشمّر ونشدّ الهمة علنا نرقع ما خرق صومنا الذي مضى في هذا الشهر الفضيل، ونلحق بركب العتقاء من النار.

(فـ) هل قائم لله في ليله * يسأله العتق من النار
والمسلمة الحكيمة لا تضيِّع مثل هذه الأوقات المباركة فيما يضرها ولا ينفعها، بين تفريط وتقصير، إنه شهر القرآن يا أمة الله، والله تعالى يقول: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} [سورة البقرة: 185]، فوجب الاستكثار من كلام الله تعالى تلاوة وتدبرا، وها هم سلفنا الصالح -رحمهم الله- كانوا إذا دخل شهر رمضان تركوا الدروس وتفرّغوا للقرآن.

وإن كان قد فات المسلمة ما فاتها من هذا الشهر، فلا تقنط ولا تيأس ولتشمر الآن عن ساعد الجد في هذه الليالي المباركة، ولتتحرَّ ليلة القدر علَّ الله تعالى يبلغها إياها.

وعن عائشة قالت: يا رسول الله! أرأيت إن علمت ليلة القدر، ما أقول فيها؟ قال: (قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني)» [رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح].

ونذكّر المسلمات بإخوان لهن على ثغور العز يرابطون، فالله الله في الدعاء لهم بالنصر والتمكين والثبات، والله الله في تحري مواطن إجابة الدعاء، كالثلث الأخير من الليل، وبين الأذان والإقامة، وفي السجود، وعند الإفطار، وآخر ساعة من يوم الجمعة.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


المصدر: صحيفة النبأ - العدد 37
الثلاثاء 23 رمضان 1437 ه‍ـ

مقال - العشْرُ الأَواخرُ؛ تِجارةٌ معَ اللهِ لَا اعتكافٌ فِي الأَسْواقِ
...المزيد

أهم أحكام زكاة الفطر من رحمة الله تعالى أن جعل للعبادات ما يجبر نقصها ويطهّر فاعلها من التقصير ...

أهم أحكام زكاة الفطر


من رحمة الله تعالى أن جعل للعبادات ما يجبر نقصها ويطهّر فاعلها من التقصير في أدائها، ومن ذلك ما شرعه الله سبحانه لعباده الصائمين من زكاة الفطر، التي بها تطهيرٌ لنفس من صام رمضان، وكفارة لما ارتكبه من فحش الكلام، وجبرٌ لخاطر الفقير وإغناؤه عن السؤال يوم عيد الفطر... فما هي زكاة الفطر؟ وما حكمها؟ وما حكمة مشروعيتها؟ وما مقدارها؟ ومتى تُخرج؟ وعَمّن تُخرج؟ ومِمّن تُخرج؟ ولمن تُعطى؟

- تعريفها:

زكاة الفطر (أو ما يسمى الفطرة): هي صدقة تجب بالفطر من رمضان عند إتمام صيامه، وأضيفت الزكاة إلى الفطر لأنه سبب وجوبها.

- حكمها:

زكاة الفطر واجبة (فرض)، فعن ابن عمر -رضي الله عنه- قال: «فرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زكاة الفطر صاعا من تمر أو صاعا من شعير على العبد والحر والذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين» [رواه البخاري]، قال النووي: «أجمع العلماء على وجوب صدقة الفطر» [المجموع].
الحكمة من مشروعيتها

عن ابن عباس -رضي الله عنه- قال: «فرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين» [حسن، رواه أبو داود وغيره] و»قوله: (طهرة): أي تطهيرا لنفس من صام رمضان، وقوله (والرفث) قال ابن الأثير: الرفث هنا هو الفحش من كلام، قوله (وطعمة): بضم الطاء، وهو الطعام الذي يؤكل» [عون المعبود]، وعن وكيع قال: «زكاة الفطر لشهر رمضان كسجدتي السهو للصلاة، تجبر نقصان الصوم كما يجبر السجود نقصان الصلاة» [المجموع للنووي]، وقال ابن قدامة: «والحكمة من مشروعية زكاة الفطر الرفق بالفقراء بإغنائهم عن السؤال في يوم العيد، وإدخال السرور عليهم في يوم يسر المسلمون بقدوم العيد عليهم، وتطهير من وجبت عليه بعد شهر الصوم من اللغو والرفث» [المغني].

- وقت إخراجها:

تجب زكاة الفطر بغروب الشمس من آخر شهر رمضان، ووقت دفعها له وقت استحباب ووقت جواز، فأما وقت الاستحباب فهو صباح يوم العيد لأن النبي، صلى الله عليه وسلم «أمر بها أن تؤدَّى قبل خروج الناس إلى الصلاة» [رواه البخاري ومسلم]، أما وقت الجواز فهو قبل العيد بيوم أو يومين، ففي صحيح البخاري عن نافع قال: كان ابن عمر -رضي الله عنهما- يعطيها قبل الفطر بيوم أو بيومين؛ ويحرّم تأخيرها لبعد صلاة العيد، قال ابن رسلان في تأخيرها إلى ما بعد صلاة العيد: «إنه حرام بالاتفاق لأنها زكاة، فوجب أن يكون في تأخيرها إثم كما في إخراج الصلاة عن وقتها» [عون المعبود]، ولا تبرأ ذمة مؤخرها، لقوله، صلى الله عليه وسلم: «من أدّاها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات» [حسن، رواه أبو داود وغيره].

- على من تجب:

تجب زكاة الفطر على المسلم القادر، فلا تجب على الكافر، لأن زكاة الفطر قربة من القُرَب وطهرة للصائم من الرفث، وليس الكافر من أهلها، وإنما يعاقب على تركها في الآخرة، قال الشافعي: «وفي حديث نافع دلالة على أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يفرضها إلا على المسلمين، وذلك موافقة لكتاب الله -عز وجل- فإنه جعل الزكاة للمسلمين طهورا والطهور لا يكون إلا للمسلمين» [الأم]، وتجب على القادر (المستطيع)، وبيّن النووي حد هذه القدرة بقوله: «المعسر لا فطرة عليه بلا خلاف... والاعتبار باليسار والإعسار بحال الوجوب، فمن فضل عن قوته وقوت من تلزمه نفقته لليلة العيد ويومه صاع، فهو موسر، وإن لم يفضل شيء فهو معسر ولا يلزمه شيء في الحال» [المجموع].

- عمّن يخرجها المسلم:

يخرجها الإنسان المسلم عن نفسه وعمن يعولهم (ينفق عليهم)، فيخرجها عن نفسه وزوجته وأولاده وما ملكت يمينه ووالديه الفقيرين، والبنت التي لم يدخل بها زوجها، والأقارب إذا لم يستطيعوا إخراجها عن أنفسهم، فإن استطاعوا فالأولى أن يخرجوها هم، لأنهم المخاطبون بها أصلا، ويبدأ بالأقرب فالأقرب، بنفسه فزوجته فأولاده ثم بقية القرابة أقربهم فأقربهم على حسب قواعد الميراث، ولا تجب عن الحمل الذي في البطن إلا إن يُتطوع بها، وإن مات مَن وجبت عليه الفطرة قبل أدائها، أخرجت من تركته، والخادم إذا كان له أجرة مقدرة كل يوم أو كل شهر لا يخرج عنه.

- مقدارها:

مقدار زكاة الفطر صاع من طعام، لحديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- حيث قال: «كنا نخرج زكاة الفطر صاعا من طعام...» [متفق عليه]، والصاع المعتبر هو صاع النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي يساوي أربعة أمداد، والمد هو ما يملأ كفي الرجل المعتدل الكفين، قال ابن الأثير: «وقيل إن أصل المُد مقدر بأن يمد الرجل يديه فيملأ كفيه طعاما» [النهاية].

تنبيه: الوزن يختلف باختلاف ما يملأ به الصاع، فعند إخراج الوزن لا بد من التأكد أنه يعادل ملء الصاع من النوع المخرج منه، فهو مثلا يعادل ثلاثة كيلو من الرز تقريبا، بينما يعادل كيلوين ونصف من الطحين... وهكذا.

- الأنواع التي تخرج في زكاة الفطر:

يجوز إخراج زكاة الفطر من كل طعام يعد قوتا، أي يقتاته الناس، ولا يفسد بالادخار، وذلك لحديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- المتقدم: «كنا نخرج زكاة الفطر صاعا من طعام، أو صاعا من شعير، أو صاعا من تمر، أو صاعا من أقط، أو صاعا من زبيب»، وتفسير الطعام هنا ببعض أنواعه لا يعني قصره على هذه الأنواع، فالرسول -صلى الله عليه وسلم- فرض هذه الأنواع لأنها كانت قوت أهل المدينة، وعلى هذا يجوز إخراجها من كل ما يعد قوتا لأهل بلده من أرز أو دقيق أو تمر أو عدس أو فاصولياء... وليحرص المؤمن على أن تكون زكاة فطره من الجيد الطيب لا من شر الأصناف، قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (ما تصدق أحد بصدقة من طيب، ولا يقبل الله إلا الطيب، إلا أخذها الرحمن بيمينه وإن كانت تمرة فتربو في كف الرحمن، حتى تكون أعظم من الجبل كما يربي أحدكم فلوه أو فصيله) [رواه مسلم].

مصرف زكاة الفطر (لمن تدفع زكاة الفطر)

تصرف زكاة الفطر للمحتاجين (الفقراء والمساكين)، للحديث المذكور: «فرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمه للمساكين»، قال ابن القيم: «وكان من هديه -صلى الله عليه وسلم- تخصيص المساكين بهذه الصدقة ولم يكن يقسمها على الأصناف الثمانية قبضة قبضة، ولا أمر بذلك ولا فعله أحد من أصحابه ولا من بعدهم» [زاد المعاد].

ولا يجوز دفع زكاة الفطر لكافر أو مرتد أو عاص يستعين بها على معصيته، وعلى المسلم أن يتحرى من المساكين المستحقين لزكاة الفطر عائلات الشهداء والأسرى والمصابين، فلهؤلاء حق علينا، وهم أحق الناس بصدقاتنا، وهم يستحقونها من أكثر من وجه، قال تعالى: {لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} [سورة البقرة: 273]، فذكر الله تعالى مستحقي النفقات، ووصفهم بست صفات: أحدها الفقر، والثانية أنهم {أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} أي: محبوسون بسبب الجهاد، والثالثة {لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ} أي: عاجزون عن الأسفار لطلب الرزق، والرابعة {يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ} وهذا بيان لصدق صبرهم وحسن تعففهم، والخامسة {تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ} أي: بالعلامة التي ذكرها الله في وصفهم، وهذا لا ينافي قوله: {يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ}، فإن الجاهل بحالهم ليس له فطنة يتفرس بها ما هم عليه، وأما الفطن فمجرد ما يراهم يعرفهم بعلامتهم، والسادسة أنهم {لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} أي: لا يسألونهم سؤال إلحاف، أي: إلحاح، فهؤلاء أولى الناس وأحقهم بالصدقات [تيسير الكريم الرحمن].

ويجوز للمسلم أن يقوم بإخراج زكاة فطره بنفسه أو أن يوكل مسلما بإخراجها عنه أو أن يدفعها لديوان الزكاة ليقوم الإخوة هناك بتفريقها على مستحقيها، ولهذا أصل في الشرع، فقد كان رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يعين أبا هريرة –رضي الله عنه- ويرتبه على جمع زكاة فطر المسلمين وتفريقها على مساكين المسلمين [رواه البخاري]، وكذلك فعل الصحابة –رضي الله عنهم- من بعده.

نسأل الله تعالى أن يتقبل من المسلمين صيامهم وصدقاتهم وطهرهم وزكاتهم.


المصدر: صحيفة النبأ - العدد 37
الثلاثاء 23 رمضان 1437 ه‍ـ

مقال - أهم أحكام زكاة الفطر
...المزيد

أهم أحكام زكاة الفطر [2/2] -عمّن يخرجها المسلم: يخرجها الإنسان المسلم عن نفسه وعمن يعولهم ...

أهم أحكام زكاة الفطر

[2/2]

-عمّن يخرجها المسلم:

يخرجها الإنسان المسلم عن نفسه وعمن يعولهم (ينفق عليهم)، فيخرجها عن نفسه وزوجته وأولاده وما ملكت يمينه ووالديه الفقيرين، والبنت التي لم يدخل بها زوجها، والأقارب إذا لم يستطيعوا إخراجها عن أنفسهم، فإن استطاعوا فالأولى أن يخرجوها هم، لأنهم المخاطبون بها أصلا، ويبدأ بالأقرب فالأقرب، بنفسه فزوجته فأولاده ثم بقية القرابة أقربهم فأقربهم على حسب قواعد الميراث، ولا تجب عن الحمل الذي في البطن إلا إن يُتطوع بها، وإن مات مَن وجبت عليه الفطرة قبل أدائها، أخرجت من تركته، والخادم إذا كان له أجرة مقدرة كل يوم أو كل شهر لا يخرج عنه.

- مقدارها:

مقدار زكاة الفطر صاع من طعام، لحديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- حيث قال: «كنا نخرج زكاة الفطر صاعا من طعام...» [متفق عليه]، والصاع المعتبر هو صاع النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي يساوي أربعة أمداد، والمد هو ما يملأ كفي الرجل المعتدل الكفين، قال ابن الأثير: «وقيل إن أصل المُد مقدر بأن يمد الرجل يديه فيملأ كفيه طعاما» [النهاية].

تنبيه: الوزن يختلف باختلاف ما يملأ به الصاع، فعند إخراج الوزن لا بد من التأكد أنه يعادل ملء الصاع من النوع المخرج منه، فهو مثلا يعادل ثلاثة كيلو من الرز تقريبا، بينما يعادل كيلوين ونصف من الطحين... وهكذا.

- الأنواع التي تخرج في زكاة الفطر:

يجوز إخراج زكاة الفطر من كل طعام يعد قوتا، أي يقتاته الناس، ولا يفسد بالادخار، وذلك لحديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- المتقدم: «كنا نخرج زكاة الفطر صاعا من طعام، أو صاعا من شعير، أو صاعا من تمر، أو صاعا من أقط، أو صاعا من زبيب»، وتفسير الطعام هنا ببعض أنواعه لا يعني قصره على هذه الأنواع، فالرسول -صلى الله عليه وسلم- فرض هذه الأنواع لأنها كانت قوت أهل المدينة، وعلى هذا يجوز إخراجها من كل ما يعد قوتا لأهل بلده من أرز أو دقيق أو تمر أو عدس أو فاصولياء... وليحرص المؤمن على أن تكون زكاة فطره من الجيد الطيب لا من شر الأصناف، قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (ما تصدق أحد بصدقة من طيب، ولا يقبل الله إلا الطيب، إلا أخذها الرحمن بيمينه وإن كانت تمرة فتربو في كف الرحمن، حتى تكون أعظم من الجبل كما يربي أحدكم فلوه أو فصيله) [رواه مسلم].

مصرف زكاة الفطر (لمن تدفع زكاة الفطر)

تصرف زكاة الفطر للمحتاجين (الفقراء والمساكين)، للحديث المذكور: «فرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمه للمساكين»، قال ابن القيم: «وكان من هديه -صلى الله عليه وسلم- تخصيص المساكين بهذه الصدقة ولم يكن يقسمها على الأصناف الثمانية قبضة قبضة، ولا أمر بذلك ولا فعله أحد من أصحابه ولا من بعدهم» [زاد المعاد].

ولا يجوز دفع زكاة الفطر لكافر أو مرتد أو عاص يستعين بها على معصيته، وعلى المسلم أن يتحرى من المساكين المستحقين لزكاة الفطر عائلات الشهداء والأسرى والمصابين، فلهؤلاء حق علينا، وهم أحق الناس بصدقاتنا، وهم يستحقونها من أكثر من وجه، قال تعالى: {لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} [سورة البقرة: 273]، فذكر الله تعالى مستحقي النفقات، ووصفهم بست صفات: أحدها الفقر، والثانية أنهم {أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} أي: محبوسون بسبب الجهاد، والثالثة {لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ} أي: عاجزون عن الأسفار لطلب الرزق، والرابعة {يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ} وهذا بيان لصدق صبرهم وحسن تعففهم، والخامسة {تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ} أي: بالعلامة التي ذكرها الله في وصفهم، وهذا لا ينافي قوله: {يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ}، فإن الجاهل بحالهم ليس له فطنة يتفرس بها ما هم عليه، وأما الفطن فمجرد ما يراهم يعرفهم بعلامتهم، والسادسة أنهم {لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} أي: لا يسألونهم سؤال إلحاف، أي: إلحاح، فهؤلاء أولى الناس وأحقهم بالصدقات [تيسير الكريم الرحمن].

ويجوز للمسلم أن يقوم بإخراج زكاة فطره بنفسه أو أن يوكل مسلما بإخراجها عنه أو أن يدفعها لديوان الزكاة ليقوم الإخوة هناك بتفريقها على مستحقيها، ولهذا أصل في الشرع، فقد كان رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يعين أبا هريرة –رضي الله عنه- ويرتبه على جمع زكاة فطر المسلمين وتفريقها على مساكين المسلمين [رواه البخاري]، وكذلك فعل الصحابة –رضي الله عنهم- من بعده.

نسأل الله تعالى أن يتقبل من المسلمين صيامهم وصدقاتهم وطهرهم وزكاتهم.


المصدر: صحيفة النبأ - العدد 37
الثلاثاء 23 رمضان 1437 ه‍ـ

مقتطف من مقال - أهم أحكام زكاة الفطر
...المزيد

أهم أحكام زكاة الفطر [2/1] من رحمة الله تعالى أن جعل للعبادات ما يجبر نقصها ويطهّر فاعلها من ...

أهم أحكام زكاة الفطر

[2/1]
من رحمة الله تعالى أن جعل للعبادات ما يجبر نقصها ويطهّر فاعلها من التقصير في أدائها، ومن ذلك ما شرعه الله سبحانه لعباده الصائمين من زكاة الفطر، التي بها تطهيرٌ لنفس من صام رمضان، وكفارة لما ارتكبه من فحش الكلام، وجبرٌ لخاطر الفقير وإغناؤه عن السؤال يوم عيد الفطر... فما هي زكاة الفطر؟ وما حكمها؟ وما حكمة مشروعيتها؟ وما مقدارها؟ ومتى تُخرج؟ وعَمّن تُخرج؟ ومِمّن تُخرج؟ ولمن تُعطى؟

- تعريفها:

زكاة الفطر (أو ما يسمى الفطرة): هي صدقة تجب بالفطر من رمضان عند إتمام صيامه، وأضيفت الزكاة إلى الفطر لأنه سبب وجوبها.

- حكمها:

زكاة الفطر واجبة (فرض)، فعن ابن عمر -رضي الله عنه- قال: «فرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زكاة الفطر صاعا من تمر أو صاعا من شعير على العبد والحر والذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين» [رواه البخاري]، قال النووي: «أجمع العلماء على وجوب صدقة الفطر» [المجموع].
الحكمة من مشروعيتها

عن ابن عباس -رضي الله عنه- قال: «فرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين» [حسن، رواه أبو داود وغيره] و»قوله: (طهرة): أي تطهيرا لنفس من صام رمضان، وقوله (والرفث) قال ابن الأثير: الرفث هنا هو الفحش من كلام، قوله (وطعمة): بضم الطاء، وهو الطعام الذي يؤكل» [عون المعبود]، وعن وكيع قال: «زكاة الفطر لشهر رمضان كسجدتي السهو للصلاة، تجبر نقصان الصوم كما يجبر السجود نقصان الصلاة» [المجموع للنووي]، وقال ابن قدامة: «والحكمة من مشروعية زكاة الفطر الرفق بالفقراء بإغنائهم عن السؤال في يوم العيد، وإدخال السرور عليهم في يوم يسر المسلمون بقدوم العيد عليهم، وتطهير من وجبت عليه بعد شهر الصوم من اللغو والرفث» [المغني].

- وقت إخراجها:

تجب زكاة الفطر بغروب الشمس من آخر شهر رمضان، ووقت دفعها له وقت استحباب ووقت جواز، فأما وقت الاستحباب فهو صباح يوم العيد لأن النبي، صلى الله عليه وسلم «أمر بها أن تؤدَّى قبل خروج الناس إلى الصلاة» [رواه البخاري ومسلم]، أما وقت الجواز فهو قبل العيد بيوم أو يومين، ففي صحيح البخاري عن نافع قال: كان ابن عمر -رضي الله عنهما- يعطيها قبل الفطر بيوم أو بيومين؛ ويحرّم تأخيرها لبعد صلاة العيد، قال ابن رسلان في تأخيرها إلى ما بعد صلاة العيد: «إنه حرام بالاتفاق لأنها زكاة، فوجب أن يكون في تأخيرها إثم كما في إخراج الصلاة عن وقتها» [عون المعبود]، ولا تبرأ ذمة مؤخرها، لقوله، صلى الله عليه وسلم: «من أدّاها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات» [حسن، رواه أبو داود وغيره].

- على من تجب:

تجب زكاة الفطر على المسلم القادر، فلا تجب على الكافر، لأن زكاة الفطر قربة من القُرَب وطهرة للصائم من الرفث، وليس الكافر من أهلها، وإنما يعاقب على تركها في الآخرة، قال الشافعي: «وفي حديث نافع دلالة على أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يفرضها إلا على المسلمين، وذلك موافقة لكتاب الله -عز وجل- فإنه جعل الزكاة للمسلمين طهورا والطهور لا يكون إلا للمسلمين» [الأم]، وتجب على القادر (المستطيع)، وبيّن النووي حد هذه القدرة بقوله: «المعسر لا فطرة عليه بلا خلاف... والاعتبار باليسار والإعسار بحال الوجوب، فمن فضل عن قوته وقوت من تلزمه نفقته لليلة العيد ويومه صاع، فهو موسر، وإن لم يفضل شيء فهو معسر ولا يلزمه شيء في الحال» [المجموع].

- عمّن يخرجها المسلم:

يخرجها الإنسان المسلم عن نفسه وعمن يعولهم (ينفق عليهم)، فيخرجها عن نفسه وزوجته وأولاده وما ملكت يمينه ووالديه الفقيرين، والبنت التي لم يدخل بها زوجها، والأقارب إذا لم يستطيعوا إخراجها عن أنفسهم، فإن استطاعوا فالأولى أن يخرجوها هم، لأنهم المخاطبون بها أصلا، ويبدأ بالأقرب فالأقرب، بنفسه فزوجته فأولاده ثم بقية القرابة أقربهم فأقربهم على حسب قواعد الميراث، ولا تجب عن الحمل الذي في البطن إلا إن يُتطوع بها، وإن مات مَن وجبت عليه الفطرة قبل أدائها، أخرجت من تركته، والخادم إذا كان له أجرة مقدرة كل يوم أو كل شهر لا يخرج عنه.


المصدر: صحيفة النبأ - العدد 37
الثلاثاء 23 رمضان 1437 ه‍ـ

مقتطف من مقال - أهم أحكام زكاة الفطر
...المزيد

صحيفة النبأ العدد 37 - قصة شهيد أبو سهل الأردني من التبعية لشيوخ الطاغوت.. إلى قيادة كتائب ...

صحيفة النبأ العدد 37 - قصة شهيد

أبو سهل الأردني
من التبعية لشيوخ الطاغوت.. إلى قيادة كتائب الموحّدين

المدينة التي خرج منها الطيار الأردني المرتد معاذ الكساسبة، لقصف وحرب الدولة الإسلامية، خرج منها أبو سهل الأردني قبله بسنوات، نصرةً للدولة الإسلامية وحرباً على أعدائها، وإعداداً وتهيئةً لفتح الأردن والمضي إلى بيت المقدس، بإذن الله.
ولد الفارس الداعية السهل مع إخوانه، العسر على أعدائه، المحب لله (وهو اسم أبي سهل الحقيقي) في مدينة الكَرَك الأردنية عام 1411 هـ، في بيت أدب وخلق والتزام وحشمة، ونشأ -رحمه الله- في ظل هذا البيت نشأة حسنة صالحة.

كان ذكياً متفوقاً في دراسته، فتيسّر له أن درس التمريض في (جامعة مؤتة) في الكرك، وتخرّج في الكلية بتقدير جيد، وكان في ظل دراسته الثانوية والإعدادية يتعلم في البيت الصالح على يد أبيه وأصدقائه العلم الشرعي، ويكثر من سماع الأشرطة الدعوية.

وكانت عنده رغبة جامحة للدعوة إلى الله، حتى صار إماما وخطيبا، وداعيا شفوقا في قومه، وكان جلّ دعوته آنذاك في الترغيب بالجنة والأعمال الصالحة والأخلاق الفاضلة، والترهيب من النار والمعاصي وسوء الخلق.

كان محبوبا عند الخاصة والعامة، والقريب والغريب، حسن الخلق، رقيق القلب، سليم الصدر، سهل الشكيمة، صاحب حياء وأدب، محبا لإخوانه وخلوقا مع خلّانه، مشفقا على الفقير والمسكين والضعيف، معينا لأقاربه وأصحابه على نوائب الدهر، وذاع صيته بين الناس على ذلك.

- من ظلمات الجهميّة إلى ضياء التوحيد:

شاء الله أن تكون حياة أبي سهل الجامعية هي محطة تحوّل شخصيته، حيث وقع في فخاخ بعض مرجئة العصر وجهمية الزمان، بعد أن أحسن الظن بهم في أول الأمر لشدة تعلّقه بالسنة والأثر وحرصه على طلب العلم الشرعي، فصاحب بعضا من طلاب الجهمي الخبيث (مشهور حسن)، وشيخ الطاغوت ورأس الجهمية في الشام (علي بن حسن الحلبي)، أخزاه الله وأهلكه.

حتى قدّر الله هداية أبي سهل الأردني، وخروجه من أحضان الجهمية الجدد في الأردن، المتخفّين تحت ستار وشعار السلفية، وذلك بعد أن هيّأ له بعضا من أهل التوحيد وأنصار المجاهدين، فدلّوه على الطريق المستقيم، وبينوا له كذب أدعياء السلفية وضلالهم، وقد أثّر فيه كلامهم، وخاصة بعد أن حضر مناظرات بينهم وبين شيوخ التجهم والإرجاء، فطفق بعدها يبحث عن الحق ويلتمس الأدلة إلى أن هداه الله إلى ترك أولئك الضالين والتوبة عن سلوك طريقتهم المنحرفة.

-الصدع بالتوحيد والبراءة من الطاغوت وأهله:

بدأ أبو سهل الأردني يطلب التوحيد ويتعلم الولاء والبراء، ويدرس مسائل الأسماء والأحكام، وأصول الاعتقاد وفقه الجهاد، وشرع يأخذ الدين القويم بقوة، وبعد أن ثبت له بالأدلة الشرعية كفر طاغوت الأردن وجنوده وعساكره وشرطه وسائر أجهزته الأمنية، وسائر طواغيت العرب العملاء لليهود والصليبيين، المبدّلين لشرع الله المتين، صار يكفرهم ويبرأ منهم، ويعاديهم ويدعو إلى تكفيرهم وعداوتهم، بعد أن كان يسميهم ولاة أمر المسلمين ويعتقد طاعتهم بفعل تلبيس المضلّين.

وصار يدعو إلى التوحيد والكفر بالطاغوت، وكانت منطقته معروفة بكثرة انتساب أبنائها إلى الجيش والشرطة والمخابرات الأردنية، بل منهم من كانوا وزراء وضباطا «كبارا»، يستعين بهم طاغوت الأردن في محاربة الإسلام وحراسة اليهود، فكان -رحمه الله- يحذّر الناس من الدخول في هذه الردّة، ويناصح الجنود المرتدين ممن يعرفهم بذلك، حتى هدى الله على يديه وعلى أيدي إخوانه، أحد حراس اليهود من الجيش الأردني العميل المرتد، فترك هذا الجندي الجيش، وأعلن توبته، ونفر للجهاد مع الدولة الإسلامية، ثم نفّذ عملية استشهادية في العراق.

وقد كان أبو سهل الأردني، حريصا على هداية أهله وقومه ودعوتهم إلى التوحيد والجهاد، فيسر الله على يديه هداية أخيه الأكبر مهندس الكهرباء، فنفر بعده إلى الجهاد ولحقه إلى الدولة الإسلامية، ثم نفّذ عملية استشهادية على الرافضة في العراق أيضا، تقبله الله.

- مع الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا:

وعندما يسّر الله لأبي سهل الهجرة، ودخل أول بيت أقلَّه في الشام، خرّ لله ساجدا شاكرا، ثم شرع في نصرة دين الله، وبدأ بأحب عمل إلى قلبه، ألا وهو الدعوة إلى التوحيد والجهاد، فبعد أيام قلائل من هجرته، خطب خطبة الجمعة على أحد منابر ريف حلب الشمالي، فما أنهى خطبته حتى أبكى الحاضرين، وحرضهم على اللحاق بالمجاهدين، فنفع الله به من أول مسيره في الجهاد، وأقبل عليه كثير من الناس، ثم نشط بعدها في ريف حلب وأقام عدة دروس ودورات وندوات.

ثم يسر الله له أن يعمل في مجال تخصصه (التمريض)، أميراً على مجموعة طبية في أشد جبهات ولاية حلب في ذلك الحين حربا وقتالا، المعروفة باسم (دويرينة والسكك)، فكان مطبباً للقلوب والأبدان، يدعو المجاهدين ويعلمهم ويحرضهم ويفتيهم، ويطبب أبدانهم ويسعف مصابهم، ويرابط معهم في الثغور... كل ذلك في همة ونشاط وعزيمة وحركة دائمة، وبشاشة لائحة على وجهه لا تفارقه حتى في أشد الاوقات، مع مزاح قليل، لتطبيب قلب العليل.

برزت شخصية الشيخ أبي سهل الأردني بين إخوانه المجاهدين، بما حباه الله من ذكاء وفطنة وحسن تدبير وتواضع، فتدرج في التكاليف الملقاة على عاتقه، فعمل شوطاً في ولاية حلب كداعية وواعظ وخطيب، ثم مسؤول نقطة طبية في الثغر، ثم مسؤولاً عن مضافة كبيرة للجرحى، ثم عمل أميراً لمنطقة الراعي في ولاية حلب، بعد تطهيرها من الصحوات، جاء هذا بعد قطع شوط كبير من الجهاد والقتال في ولاية دمشق، ثم كُلِّف أميراً على منطقة أكبر في ولاية حلب، فطلب الإعفاء، خوفاً من ثقل المسؤولية، لكنّ أمراءه رفضوا ذلك، لحسن سيرته ومحبة المجاهدين له، وكُلِّف بعد ذلك، نائباً لوالي البركة، فكان نعم الأمير، ونعم الناصح المشير.

- ومن يتّق الله يجعل له مخرجا:

لم تكن الإمارة كبيرة على أبي سهل رغم صغر سنه، ولم يكن كبيرا عليها لتواضعه، وحسن خلقه، وكان أكثر ما تولّاه من جوانب الإمارة في الولاية متابعة المظالم، والحرص على إزالة الظلم عن كل مسلم، ورغم انشغاله بأعباء العمل الثقيلة لم يترك وظيفته الأساسية في الدعوة إلى الله، فلا يترك اجتماعا مع الأمراء أو الجنود إلا ويذكرهم بالله، ويلقي فيهم كلمة يحضهم فيها على التقوى والثبات على التوحيد، واستمر في الخطبة في المساجد والصلاة بالناس لينفعهم بما لديه من علم، ويؤنسهم بصوته الجميل العذب.

وكان آخر ما تحمّله من مسؤوليات تكليفه إدارة القاطع الشرقي لولاية البركة الممتد بين بلدتي الهول وتل حميس، الذي كان فيه في ذلك الوقت أهم جبهات القتال ضد التحالف الصليبي وملاحدة الأكراد، فعمل على إعادة تنظيم الصفوف بعد انحياز المجاهدين من منطقة تل حميس، والإشراف على التجهيز للعمليات العسكرية ضد المرتدين.

وفي الوقت الذي نشطت فيها سرايا الانغماسيين في تبييت ثكنات المرتدين بالإغارات الليلية وإثارة الرعب في صفوفهم، لم يكن لأبي سهل أن يتخلف عن إخوانه في ذلك، فأصرّ على المشاركة في الانغماس خلف خطوط العدو، والانغماس في ثكناتهم فكان له ما أراد.

وبعد أن تقدمت السرية التي كان ضمنها خلف خطوط دفاع المرتدين لمسافة طويلة سيرا على الأقدام، بدأت عملية التسلل إلى إحدى ثكناتهم، حيث اشتبك المجاهدون مع أحد كمائن الملاحدة التي نشروها خلف خطوطهم لتصيد الانغماسيين، فقتل المجاهدون الكثير من عناصر الكمين، وانسحبوا من المكان قبل أن تصل المؤازرات، فلمّا تفقد العائدون بعضهم بعضا افتقدوا أميرهم أبا سهل، ليتبين لهم بشهادة أحد الجرحى أنه قتل أثناء الالتحام مع الملاحدة باشتباك قريب، فتقبله الله مع الشهداء والصديقين وحسن أولئك رفيقا.

وبعد مقتله -تقبله الله- وصلت رسالة قديمة بخط يده إلى أحد إخوانه ممن رافقه في طريق الدعوة في الأردن، وفي طريق الهجرة إلى الدولة الإسلامية، يشكو إليه فيها ما حُمِّل من تكاليف الإمارة، وكان مما جاء فيها: «وإنّي ابتليت بأمر جلل، وأسأل الله أن يعينني، وأن يجعل لي مخرجا، وبإذن الله سأزورك في أقرب فرصة، وإن لم يقدّر الله اللقاء في الدنيا، فأسأل الله أن نلتقي في مقعد صدق عند مليك مقتدر».

- غزوة أبي سهل الأردني:

وتقديرا من إخوانه له، وإكراما لسيرته، فقد أطلقوا اسمه على واحدة من أكبر غزوات جيش الخلافة، وهي عملية اقتحام مدينة البركة العام الفائت، التي سُمِّيَت (غزوة الشيخ أبي سهل الأردني تقبله الله)، وقدّر الله أن يلحق فيها الكثير من إخوان أبي سهل به في تلك الغزوة المباركة.

نسأل الله أن يتقبل أخانا، وأن يلحقنا به، وأن يهيأ لنا من شباب الأردن الموحّدين من يتابعون السير على خطاه في الدعوة إلى التوحيد وجهاد الطواغيت وأذنابهم، إنه على ذلك قدير.

المصدر: صحيفة النبأ - العدد 37
الثلاثاء 23 رمضان 1437 ه‍ـ

قصة شهيد - أبو سهل الأردني
...المزيد

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً