حُ ـ ـ / ـماة الشَّريـ؏ـة: القول على الله بغير علم • الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، ...

حُ ـ ـ / ـماة الشَّريـ؏ـة:
القول على الله بغير علم

• الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فقد تسرع الناس هذا الزمان في الفتوى بعلم وبدون علم، والله المستعان، وإنه مما يعاب على المرء أن يقول بغير علم ويتكلم من حيثيات نفسه، ويطلق لسانه في غير فنه بلا جادة تقله ولا علم يدله، ومن تكلم بغير فنه أتى بالعجائب! نسأل الله أن يعصم المسلمين من الزلل وأن يحفظ ألسنتهم من العيب والخطل.

إن الشريعة قد نفرت من الجهل في الدين، وحضت على العلم وطلبه، وبينت الفرق بين العالم والجاهل، فقال الله تعالى: {قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب} [سورة الزمر: 9]، وما ذاك إلا لخطورة آثار الجهل في الدين وما ينتج عنه من عبادة الله بغير ما شرع، وإنشاء البدع والمحدثات.

قال تعالى: {قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانًا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون} [سورة الأعراف: 33]، وقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار) [رواه البخاري]، ومن هذا: القول على الله بغير علم.

عجبت لإدلال العيي بنفسه
وصمت الذي قد كان بالقول أعلما
وفي الصمت ستر للعيي وإنما
صحيفة لب المرء أن يتكلما

وأشد من عي اللسان عي الجهل وقلة العلم، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

وذكر العلماء أن الجاهل جهلا مركبا، هو الرجل الذي لا يعلم ويجزم أنه يعلم! وآخرون من الرجال يجهلون وهم مقرون بجهلهم، وقد عرفوا قدر أنفسهم، فلا يحملونها ما لا تطيق، وإن زل أحدهم رجع عن قوله بعد علمه بخطئه، وهذا هو ما يسميه أهل العلم بالجاهل البسيط وهو الجاهل الذي يدري أنه جاهل، وهذا سرعان ما تتقدم به المعرفة والعلم ويرتفع عن جهله شيئا فشيئا ما دامت هذه حاله، ولقد قال الخليل بن أحمد: الناس أربعة: رجل يدري ويدري أنه يدري فهذا عالم فالزموه، ورجل يدري ولا يدري أنه يدري، فهذا غافل فنبهوه، ورجل لا يدري ولا يدري أنه لا يدري فهذا مائق فاحذروه، ورجل لا يدري ويدري أنه لا يدري فهذا جاهل فعلموه؛ وقد قال الشاعر:

لما جهلت جهلت أنك جاهل
جهلا وجهل الجهل داء معضل

وقال الآخر:

ومن أعجب الأشياء أنك لا تدري
وأنك لا تدري بأنك لا تدري

ومن أعظم الأمور الإفتاء بغير علم، قال عز من قائل: {ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هٰذا حلال وهٰذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون} [سورة النحل: 116]، وقال تعالى: {ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولٰئك كان عنه مسئولًا} [سورة الإسراء: 36].

ولنا في السلف الصالح -رضي الله عنهم أجمعين- أسوة وقدوة، فقد كانوا كما يقول ابن القيم: وكان السلف من الصحابة والتابعين يكرهون التسرع في الفتوى، ويود كل واحد منهم أن يكفيه إياها غيره.

قال ابن عباس: كل من أفتى الناس في كل ما يسألونه عنه لمجنون.

وسئل الشعبي عن مسألة فقال: لا أدري، فقيل له: ألا تستحي من قولك لا أدري، وأنت فقيه أهل العراق؟ فقال: لكن الملائكة لم تستح حين قالوا: {لا علم لنا إلا ما علمتنا}.

ويقول عبد الله بن الإمام أحمد: كثيرا ما يسأل الإمام أحمد عن المسائل فيقول: لا أدري، ويقف إذا كانت مسألة فيها اختلاف، وكثيرا ما يقول: سل غيري، فإن قيل له: من نسأل؟ قال: سلوا العلماء.

وقال أبو داود في مسائله: ما أحصي ما سمعت أحمد سئل عن كثير مما فيه الاختلاف في العلم فيقول: لا أدري، قال: وسمعته يقول: ما رأيت مثل ابن عيينة في الفتوى -أي ما رأيت أحسن منه- وكان أهون عليه أن يقول: لا أدري.

وقال سحنون بن سعيد: أجسر الناس على الفتيا أقلهم علما، يكون عند الرجل الباب الواحد من العلم يظن أن الحق كله فيه.

وقال بعض السلف: ليتق أحدكم أن يقول: أحل الله كذا وحرم كذا، فيقول الله له: كذبت لم أحل كذا ولم أحرم كذا.

وقال ابن مسعود: أيها الناس من سئل عن علم يعلمه فليقل به، ومن لم يكن عنده علم فليقل الله أعلم فإن من العلم أن يقول لما لا يعلم: الله أعلم.

وعن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: أدركت عشرين ومائة من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فما كان منهم محدثا إلا ود أن أخاه قد كفاه الحديث ولا مفتيا إلا ود أن أخاه كفاه الفتيا.

وقال الهيثم بن جميل: شهدت مالك بن أنس سئل عن ثمان وأربعين مسألة فقال في اثنتين وثلاثين منها: لا أدري.

وقال القاسم وابن سيرين: لأن يموت الرجل جاهلا خير له من أن يقول ما لا يعلم.

وقال سعيد بن جبير: ويل لمن يقول لما لا يعلم إني أعلم.

ويقول ابن المنكدر: المفتي يدخل بين الله وبين خلقه، فلينظر كيف يفعل فعليه التوقف والتحرز لعظم الخطر.

وبوب البخاري: باب ما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يسأل مما لم ينزل عليه الوحي، فيقول: (لا أدري)، أو لم يجب حتى ينزل عليه الوحي، ولم يقل برأي ولا بقياس.

وما يضيرك أن تقول: لا أدري، وقد كثر في أجوبة الأئمة قول: لا أدري، بل قد كان النبي -عليه الصلاة والسلام- المؤيد بالوحي يسأل فيسكت، ينتظر الوحي، وبعض الناس إذا سئل لا يترك السائل يكمل سؤاله، بل يبادر بالجواب قبل إكمال السؤال، وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كما في سنن أبي داود عن أبي هريرة قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (من أفتي بغير علم كان إثمه على من أفتاه).

والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد.


◽ المصدر: صحيفة النبأ – العدد 25
السنة السابعة - 1437 هـ
...المزيد

رموز .. أم أوثان • وإننا نجد اليوم أن أفراد كثير من التنظيمات والفصائل والأحزاب التي تزعم السعي ...

رموز .. أم أوثان

• وإننا نجد اليوم أن أفراد كثير من التنظيمات والفصائل والأحزاب التي تزعم السعي لإقامة الدين وتطبيق الشريعة، قد حذوا حذو من قبلهم في تعظيم من يرونه من عباد الله الصالحين، لعلمه بالشريعة، أو حسن جهاده أو لصبره على ما لقيه من البلاء من الطواغيت أو لفصاحة خطابه وحسن التعبير في كتاباته أو حتى لمجرد شهرته وشيوع اسمه بين الناس، والزيادة في توقيرهم عن الحد الجائز شرعا، برفع صورهم وتلقيبهم بألقاب التعظيم المبالغ فيها وجعل كلامهم وأحكامهم فوق كلام الله ورسوله، صلى الله عليه وسلم، وإن كانوا يدّعون أن كلامهم مبني عليهما، بل وإطلاق مسمى «المنهج» على أقوالهم وأفعالهم وأحكامهم، وتدوين هذه «المناهج» وتدريسها للأجيال المتعاقبة في هذه الأحزاب على أنها الصراط المستقيم، والسبيل القويم لتحصيل رضا رب العالمين، وبتنا نسمع تسمية هؤلاء الأشخاص «رموزاً» لهذه الحركة أو تلك، وصرنا نرى الاستنكار لأي نقد لهؤلاء «الرموز» بدرجة تفوق الاستنكار على من يطعن في دين الله وشعائره، حتى لكأن هؤلاء «الرموز» من الأحياء والأموات حلّوا عند أولئك الضالين مكان الكتاب والسنة، فمن ينتقص من قدرهم أو يرد كلامهم، فهو الذي يريد أن ينقض عرى الإسلام.

وصرنا نرى من حال هؤلاء «الرموز» المعبودين، أن لكل حزب «رمزا» أو مجموعة من «الرموز»، كما كان لكل قبيلة من قبائل الجاهليين وثن أو مجموعة من الأوثان، وكل حزب يسعى جهده لتعظيم «رموزه» في أعين الناس، وهو يرى أنه سيزيد من أتباعه بمقدار ما يزيد من تعظيم الناس «لرموز» حزبه وتنظيمه، لذلك يكثرون من إضفاء الألقاب والأوصاف لهؤلاء «الرموز»، والاستدلال بأفعالهم على كل ما يريدون اتخاذه من قرارات، فيكفيهم لذلك أن شيخهم أو رأسهم قد فعل ذلك أو أقره أو أمر به، ليكون مباحا أو واجبا، دون النظر فيما يُحتج به من الأدلة الشرعية، بل وبات الحال أن يتنازع الناس على هذا «الرمز» أو ذاك وكل منهم يزعم أنه الوارث لإرثه، والمتبع لسنته، والسائر على نهجه، والأمين على رسالته، فوصل الأمر ببعضهم إلى «بابيّة» معاصرة، شبيهة بما لدى الرافضة والباطنية -أخزاهم الله تعالى- الذين يقدسون بعض شيوخهم وعلمائهم بزعم أنهم الأبواب إلى أئمتهم من آل البيت الذين يزعمون أنهم أحياء بعد موتهم يتواصلون مع الناس عن طريق هؤلاء الأبواب، وذلك بأن يعلن بعض أفراد هذه الأحزاب أن الوصي على منهج «الرمز» والحامي للحزب أو التنظيم أو الفصيل من الانحراف عن منهجه.

إن ارتباط الحزب أو التنظيم أو الفصيل بشخصيات «الرموز» وحرصه على الاستقواء بهم إنما هو سمة عامة لأهل الضلال، لأن المسلم يعلم أن الكتاب والسنة هما الركن الشديد الذي يُلجأ إليه في إثبات صحة دعواه، فمن أعياه من أهل الضلال إيجاد الدليل الشرعي لجأ إلى الاستدلال البدعي على «صحة» منهجه، كما تفعل الأحزاب الضالة اليوم باستنادها في إثبات «صحة» منهجها بالمشاهير من «رموزها»، الذين لو بحثنا في حقائقهم لوجدنا أن منهم المبتدع الضال، بل منهم من تلبس بردّة صريحة، أو تستدل على «صحة» منهجها بحجم تضحيات السابقين من أفرادها، وعدد من قتل وسجن منهم، أو بعدد أتباعها وحجم انتشار أفكارها، وكل هذه الأمور لا تغني من الحق شيئا.

فالمسلم يقيس «الرموز» بمقياس الدين، ولا يقيس دينه على مقياس «الرموز»، ويعرف قدر «الرموز» بمقدار اتباعهم للحق، لا أن يبحث عن الحق في أقوال «الرموز» وأفعالهم، ويسعى لأن يكون عبدا لله -عز وجل- لا عبدا للحزب والتنظيم و«رموزهم»، وتابعا لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا لمنهج الفصيل والحركة.

لقد كثرت «الرموز» اليوم، وباتت أكثر من أوثان المشركين في الجاهلية، وكلٌ من الناس يدعو إلى «رمزه» كما كان الجاهليون يدعون الناس لعبادة أوثانهم، فكل الأحزاب أو التنظيمات صارت «رموزا»، وقادة ورؤوس كل منها «رموز»، وكتبها ومناهجها «رموز»، فإلى أيّ منها يميل المسلم، وبأيها يرتبط، وأيها يتبع؟

سيجيب الجميع: ما وافق منها الكتاب والسنة.

إذن فلنتبع الكتاب والسنة، ولندع «الرموز».


◽ المصدر: صحيفة النبأ – العدد 25
السنة السابعة - الثلاثاء 26 جمادى الآخرة 1437 هـ

مقتطف من مقال:
رموز .. أم أوثان
...المزيد

رموز .. أم أوثان • إن من أهم صفات أهل الجاهلية في كل العصور أن تجد أن لكل قبيلة من القبائل أو ...

رموز .. أم أوثان

• إن من أهم صفات أهل الجاهلية في كل العصور أن تجد أن لكل قبيلة من القبائل أو جماعة من الناس وثنا خاصا بها تتميز به عن غيرها من الجماعات، فتعظمه وتنتسب إليه من دون أوثان سواها، وتتفاخر به على أوثان أعدائها، وتصل بهم الحال أن يكون شعار الانتماء إلى هذه الجماعة من البشر تعظيم هذا الوثن من دون الله، عز وجل، فيكتسب كل من الوثن والجماعة من الآخر قوته وتعظيمه بين الناس، فإما أن يكون هذا الوثن معظما بين كم كبير من الجماعات، فتكتسب الجماعة التي تقوم على خدمته أو يرتبط بها ذكره الكثير من القوة والسلطة بذلك، أو تكون الجماعة من القوة بحيث تفرض تعظيم وتقديس وثنها على بقية الجماعات، وهو الغالب إذ إن تقديس هذا الوثن يحمل في جوانبه غالبا أهدافا سياسية بحيث يكون الخضوع له خضوعا للجماعة التي تزعم الارتباط به، والقيام بأمره، وحيازة الصنم الذي يمثله، وأسرار التخاطب المزعوم معه من قبل كهانها، ولذلك نجد أن ما من أمة من الأمم يزول ملكها إلا زالت مع الملك أوثانها واندثرت أصنامها ليعبد الجاهليون وثنا آخر يكون في الغالب وثن الأمة التي ورثت الغلبة والظفر.

وربما تكون قصة أبرهة الحبشي مع الكعبة خير مثال على ذلك، إذ بنى كنيسته في اليمن ليجذب العرب إلى تعظيمها وبالتالي إخضاعهم لسطوته، فلما رأى إعراضهم عنها وارتباطهم بالكعبة وما فيها من أوثان في ذلك الحين، جرد جيشا جرارا لهدمها وإزالة الأوثان التي فيها المنافسة لوثنه المعبود من دون الله تعالى.

وقد أرسل الله تعالى رسوله عليه الصلاة والسلام بالحق لينهى الناس عن عبادة كل تلك الأوثان ويدعوهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له، سبحانه، وفي دعوته إلى نبذ الشرك تستوي عبادة كل ما عبد من دون الله تعالى، سواءً كان نبيا مرسلا أم ملكا مقربا أم عبدا صالحا أم حاكما متجبرا أم كاهنا كذابا أم قانونا متبعا أم قبرا معظما أو شجرة أو صخرة متبركًا بهما أو شيطانا مخوفا وما شابه

وكما هي سنة الله سبحانه في الأمم التي خلت من قبل، فإن الناس لا يلبثون إذا طال عليهم الأمد أن يخلق عندهم التوحيد فيعودون إلى تجديد الشرك ونصب الطواغيت، وعبادتهم من دون الله تعالى، بل ودعوة الناس إلى عبادتها.

ومن أبرز صور شرك المشركين اتخاذهم من يرون فيهم الخير من العبّاد الزهّاد آلهة يبدؤون أولا بتصوير هؤلاء العبّاد كأصنام باعتبار صورهم تذكر الناس بعبادة الزهّاد لله تعالى وتثبت من يراها على الطريق الذي سلكوه ثم يتحول المعظّمين إلى أوثان تعبد من دون الله سبحانه، تطلب منهم الشفاعة ويذبح لهم وينذر لهم إلخ، وفي ظن المشركين أنهم يتقربون بذلك إلى الله تعالى، ويرفضون تسمية أفعالهم شركا بالله، كما في قولهم: {ما نعبدهم إلّا ليقرّبونا إلى اللّه زلفىٰ}، وقولهم: {هٰؤلاء شفعاؤنا عند اللّه}، ويدافعون عن معبوداتهم هذه أشد الدفاع ويرفضون كل من ينهاهم عنها، كما في قولهم: {لا تذرنّ آلهتكم ولا تذرنّ ودًّا ولا سواعًا ولا يغوث ويعوق ونسرًا}، بل ويتبعهم في ذلك من أتباعهم من ازدادوا كفرا بجعلهم اتباع الآباء وطاعتهم دينا ينهاهم عن طاعة الله عز وجل، كما قال الله تعالى فيهم: {وإذا قيل لهم تعالوا إلىٰ ما أنزل اللّه وإلى الرّسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا} وقد أبطل الله دعواهم تلك بقوله: {أولو كان آباؤهم لا يعلمون شيئًا ولا يهتدون}، قال ابن العربي في تفسير هذه الآية: «قولهم: وجدنا عليه آباءنا، فنحن نقتدي بهم في أفعالهم، ونمتثل ما شاهدناه من أعمالهم ولم يثبت عندهم أن آباءهم بالهدى عاملون، وعن غير الحق معصومون، ونسوا أن الباطل جائز عليهم» [أحكام القرآن]

وإننا نجد اليوم أن أفراد كثير من التنظيمات والفصائل والأحزاب التي تزعم السعي لإقامة الدين وتطبيق الشريعة قد حذوا حذو من قبلهم في تعظيم من يرونه من عباد الله الصالحين، لعلمه بالشريعة، أو حسن جهاده أو لصبره على ما لقيه من البلاء من الطواغيت أو لفصاحة خطابه وحسن التعبير في كتاباته أو حتى لمجرد شهرته وشيوع اسمه بين الناس، والزيادة في توقيرهم عن الحد الجائز شرعا برفع صورهم وتلقيبهم بألقاب التعظيم المبالغ فيها وجعل كلامهم وأحكامهم فوق كلام الله ورسوله، صلى الله عليه وسلم، وإن كانوا يدّعون أن كلامهم مبني عليهما، بل وإطلاق مسمى «المنهج» على أقوالهم وأفعالهم وأحكامهم، وتدوين هذه «المناهج» وتدريسها للأجيال المتعاقبة في هذه الأحزاب على أنها الصراط المستقيم والسبيل القويم لتحصيل رضا رب العالمين، وبتنا نسمع تسمية هؤلاء الأشخاص «رموزاً» لهذه الحركة أو تلك، وصرنا نرى الاستنكار لأي نقد لهؤلاء «الرموز» بدرجة تفوق الاستنكار على من يطعن في دين الله وشعائره، حتى لكأن هؤلاء «الرموز» من الأحياء والأموات حلّوا عند أولئك الضالين مكان الكتاب والسنة، فمن ينتقص من قدرهم أو يرد كلامهم فهو الذي يريد أن ينقض عرى الإسلام.


◽ المصدر: صحيفة النبأ – العدد 25
السنة السابعة - الثلاثاء 26 جمادى الآخرة 1437 هـ

مقتطف من مقال:
رموز .. أم أوثان
...المزيد

لماذا نقاتل؟ أهم مقاصد الجهاد في سبيل الله 13) النجاة من عذاب الله الذي أعده للقاعدين عن ...

لماذا نقاتل؟ أهم مقاصد الجهاد في سبيل الله

13) النجاة من عذاب الله الذي أعده للقاعدين عن الجهاد

قال تعالى: {فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ} [سورة التوبة: 81].

وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ * إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ} [سورة التوبة 38-40].

وقال صلى الله عليه وسلم: (من لم يغز، ولم يحدث نفسه بالغزو، مات على شعبة من النفاق) [رواه مسلم].


14) قتال المرتدين الممتنعين عن بعض شرائع الله

قال تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} [سورة الأنفال: 39].

وقال أبو بكر الصديق، رضي الله عنه: «والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، والله لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لقاتلتهم على منعه» [رواه مسلم].

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «وقد اتفق علماء المسلمين على أن الطائفة الممتنعة إذا امتنعت عن بعض واجبات الإسلام الظاهرة المتواترة فإنه يجب قتالها، إذا تكلموا بالشهادتين وامتنعوا عن الصلاة والزكاة أو صيام شهر رمضان أو حج البيت العتيق أو عن الحكم بينهم بالكتاب والسنة أو عن تحريم الفواحش أو الخمر أو نكاح ذوات المحارم أو عن استحلال النفوس والأموال بغير حق أو الربا أو الميسر أو الجهاد للكفار أو عن ضربهم الجزية على أهل الكتاب ونحو ذلك من شرائع الإسلام فإنهم يقاتلون عليها حتى يكون الدين كله لله» [الفتاوى الكبرى].


15) كشف المنافقين وتمييز المؤمنين

قال تعالى: {إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ * أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ} [سورة آل عمران: 140-142]، وقال سبحانه: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَّنَصَرُوا أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَّهُمْ مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} [سورة الأنفال: 74].

وعن سعيد بن جبير -رضي الله عنه- قال: «سألت ابن عباس -رضي الله عنه- عن سورة التوبة فقال: «هي الفاضحة، ما زالت تنزل {وَمِنْهُمْ} {وَمِنْهُمْ}، حتى ظنوا أنها لم تبق أحدا منهم»» [متفق عليه].

16) رد البغاة (الخارجين على الإمام)

قال تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَىٰ فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيءَ إِلَىٰ أَمْرِ اللَّهِ} [سورة الحجرات: 9].

وقال صلى الله عليه وسلم: (من بايع إماما فأعطاه صفقة يده، وثمرة قلبه، فليطعه ما استطاع، فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر) [رواه مسلم].

17) كسب أموال الكفار (الغنائم والفيء)

قال تعالى: {وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا} [سورة الفتح: 20]، وقال سبحانه: {فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا} [سورة الأنفال: 69].

وقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (جعل رزقي تحت ظل رمحي) [حديث صحيح، رواه أحمد وغيره]، وقال صلى الله عليه وسلم: (أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي)، فذكر منها: (وأحلت لي المغانم ولم تحل لأحد قبلي) [متفق عليه].


◽ المصدر: صحيفة النبأ – العدد 25
السنة السابعة - الثلاثاء 26 جمادى الآخرة 1437 هـ

مقال:
لماذا نقاتل؟ أهم مقاصد الجهاد في سبيل الله
...المزيد

لماذا نقاتل؟ أهم مقاصد الجهاد في سبيل الله 11) طلبا لما أعده الله للشهداء من منازل قال الله ...

لماذا نقاتل؟ أهم مقاصد الجهاد في سبيل الله

11) طلبا لما أعده الله للشهداء من منازل

قال الله تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} [سورة آل عمران: 169]، وقال سبحانه: {وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ * سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ * وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ} [سورة محمد: 4-6]، وقال جل جلاله: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ} [سورة التوبة: 111].

وقال صلى الله عليه وسلم: (للشهيد عند الله سبع خصال؛ يغفر له في أول دفعة من دمه، ويرى مقعده من الجنة، ويحلى حلة الإيمان، ويزوج اثنين وسبعين زوجة من الحور العين، ويجار من عذاب القبر، ويأمن من الفزع الأكبر، ويوضع على رأسه تاج الوقار، الياقوتة منه خير من الدنيا وما فيها، ويشفع في سبعين إنسانا من أهل بيته) [حديث صحيح، رواه أحمد وغيره]، وقال صلى الله عليه وسلم: (ما أحد يدخل الجنة، يحب أن يرجع إلى الدنيا، وله ما على الأرض من شيء، إلا الشهيد، يتمنى أن يرجع إلى الدنيا فيقتل عشر مرات، لما يرى من الكرامة) [متفق عليه].

12) اجتناب عاقبة المتخلفين عن الجهاد في الدنيا

قال تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [سورة التوبة: 24].

وقال صلى الله عليه وسلم: (من لم يغز، أو يجهز غازيا، أو يخلف غازيا في أهله بخير، أصابه الله بقارعة قبل يوم القيامة) [حديث صحيح، رواه أبو داود]، وقال صلى الله عليه وسلم: (إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم بأذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد، سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم) [حديث صحيح، رواه أبو داود].

13) النجاة من عذاب الله الذي أعده للقاعدين عن الجهاد

قال تعالى: {فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ} [سورة التوبة: 81].

وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ * إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ} [سورة التوبة 38-40].

وقال صلى الله عليه وسلم: (من لم يغز، ولم يحدث نفسه بالغزو، مات على شعبة من النفاق) [رواه مسلم].

14) قتال المرتدين الممتنعين عن بعض شرائع الله

قال تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} [سورة الأنفال: 39].

وقال أبو بكر الصديق، رضي الله عنه: «والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، والله لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لقاتلتهم على منعه» [رواه مسلم].

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «وقد اتفق علماء المسلمين على أن الطائفة الممتنعة إذا امتنعت عن بعض واجبات الإسلام الظاهرة المتواترة فإنه يجب قتالها، إذا تكلموا بالشهادتين وامتنعوا عن الصلاة والزكاة أو صيام شهر رمضان أو حج البيت العتيق أو عن الحكم بينهم بالكتاب والسنة أو عن تحريم الفواحش أو الخمر أو نكاح ذوات المحارم أو عن استحلال النفوس والأموال بغير حق أو الربا أو الميسر أو الجهاد للكفار أو عن ضربهم الجزية على أهل الكتاب ونحو ذلك من شرائع الإسلام فإنهم يقاتلون عليها حتى يكون الدين كله لله» [الفتاوى الكبرى].


◽ المصدر: صحيفة النبأ – العدد 25
السنة السابعة - الثلاثاء 26 جمادى الآخرة 1437 هـ

مقال:
لماذا نقاتل؟ أهم مقاصد الجهاد في سبيل الله
...المزيد

لماذا نقاتل؟ أهم مقاصد الجهاد في سبيل الله 6) إرهاب الكفار والمرتدين والإثخان فيهم قال تعالى: ...

لماذا نقاتل؟ أهم مقاصد الجهاد في سبيل الله

6) إرهاب الكفار والمرتدين والإثخان فيهم

قال تعالى: {فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّىٰ إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ} [سورة محمد: 4]، وقال سبحانه: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَىٰ حَتَّىٰ يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ} [سورة الأنفال: 67]، وقال جل جلاله: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَّا اسْتَطَعْتُمْ مِّنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} [سورة الأنفال: 60].

وقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (يا معشر قريش! أما والذي نفسي بيده لقد جئتكم بالذبح) [حديث صحيح، رواه أحمد وغيره].

7) مدافعة المفسدين وكف أذى الكفرة عن المسلمين

قال تعالى: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الْأَرْضُ} [سورة البقرة: 251]، وقال جل جلاله: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ} [سورة المائدة: 33]، وقال جل وعلا: {فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا} [سورة النساء: 84].

8) نصرة المستضعفين وفك الأسارى

قال تعالى: {وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَٰذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَّنَا مِنْ لَّدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَّنَا مِنْ لَّدُنْكَ نَصِيرًا} [سورة النساء: 75].

وقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (فكوا العاني) [رواه البخاري]، والعاني: هو الأسير.

9) الدفاع عن عرض النبي، صلى الله عليه وسلم

قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا} [سورة الأحزاب: 57].

وقال صلى الله عليه وسلم: (من لكعب بن الأشرف فإنه قد آذى الله ورسوله؟)، فقام محمد بن مسلمة -رضي الله عنه- فقال: «يا رسول الله أتحب أن أقتله؟» قال: (نعم)، فانطلق إليه، فتحايل عليه، فقتله [متفق عليه].

وعن علي -رضي الله عنه- قال: «أن يهودية كانت تشتم النبي -صلى الله عليه وسلم- وتقع فيه، فخنقها رجل حتى ماتت»، وعن ابن عباس، رضي الله عنه: «أن أعمى كانت له أم ولد تشتم النبي -صلى الله عليه وسلم- وتقع فيه، فينهاها فلا تنتهى ويزجرها فلا تنزجر، فأخذ المغول [سيف قصير] فوضعه في بطنها واتكأ عليها فقتلها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ألا اشهدوا أن دمها هدر)» [رواهما أبو داود].

10) طلبا لما أعده الله من الثواب للمجاهدين في سبيله

قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [سورة الصف: 10-12].

وقال النبي، صلى الله عليه وسلم: (رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها، وموضع سوط أحدكم من الجنة خير من الدنيا وما عليها، والروحة يروحها العبد في سبيل الله تعالى، أو الغدوة، خير من الدنيا وما عليها) [متفق عليه]، وقال صلى الله عليه وسلم: (مثل المجاهد في سبيل الله كمثل الصائم القائم القانت بآيات الله لا يفتر من صيام، ولا صلاة، حتى يرجع المجاهد في سبيل الله) [متفق عليه]، وقال صلى الله عليه وسلم: (ما اغبرت قدما عبد في سبيل الله فتمسه النار) [رواه البخاري].

11) طلبا لما أعده الله للشهداء من منازل

قال الله تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} [سورة آل عمران: 169]، وقال سبحانه: {وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ * سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ * وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ} [سورة محمد: 4-6]، وقال جل جلاله: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ} [سورة التوبة: 111].

◽ المصدر: صحيفة النبأ – العدد 25
السنة السابعة - الثلاثاء 26 جمادى الآخرة 1437 هـ

مقال:
لماذا نقاتل؟ أهم مقاصد الجهاد في سبيل الله
...المزيد

لماذا نقاتل؟ أهم مقاصد الجهاد في سبيل الله • إن قتال المشركين، وقمع أعداء الدين من أوجب الواجبات ...

لماذا نقاتل؟ أهم مقاصد الجهاد في سبيل الله

• إن قتال المشركين، وقمع أعداء الدين من أوجب الواجبات على المسلمين في كل عصر، وقد أعد الله لمن يقوم بهذه العبادة الأجر الجزيل جزاء على جهدهم وجهادهم، ولكنه -تعالى- حصر الأجر والمثوبة بمن كان جهاده في سبيل الله فقط، أي بمن خرج يقاتل لتكون كلمة الله هي العليا، ولكي يعرف المجاهد فيم يجاهد، والراغب بالشهادة ودرجتها الرفيعة فيم يبذل دمه، فمن الواجب عليه أن يعرف المقاصد الشرعية للجهاد في سبيل الله، وهذه أهمها...

1) طاعة لله واتباعا لأمره

قال تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ} [سورة البقرة: 216]، وقال سبحانه: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [سورة التوبة: 41].

وقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة) [متفق عليه].

2) التأسي برسول الله، صلى الله عليه وسلم

قال تعالى: {لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا * وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَٰذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا} [سورة الأحزاب: 21-22].

قال ابن كثير في تفسيرها: «هذه الآية الكريمة أصل كبير في التأسي برسول الله -صلى الله عليه وسلم- في أقواله وأفعاله وأحواله؛ ولهذا أمر الناس بالتأسي بالنبي -صلى الله عليه وسلم- يوم الأحزاب، في صبره ومصابرته ومرابطته ومجاهدته وانتظاره الفرج من ربه، عز وجل».

وقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (والذي نفس محمد بيده، لولا أن يشق على المسلمين ما قعدت خلاف سرية تغزو في سبيل الله أبدا، ولكن لا أجد سعة فأحملهم ولا يجدون سعة، ويشق عليهم أن يتخلفوا عني، والذي نفس محمد بيده، لوددت أن أغزو في سبيل الله، فأقتل، ثم أغزو فأقتل، ثم أغزو فأقتل) [رواه مسلم].

3) نشر التوحيد وطمس الشرك

قال تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [سورة الأنفال: 39].

قال الإمام الطبري في تفسيرها: «وقاتلوا المشركين الذين يقاتلونكم حتى لا تكون فتنة، يعني: حتى لا يكون شرك بالله، وحتى لا يعبد دونه أحد، وتضمحل عبادة الأوثان والآلهة والأنداد، وتكون العبادة والطاعة لله وحده دون غيره من الأصنام والأوثان».

وقال صلى الله عليه وسلم: (بعثت بين يدي الساعة بالسيف حتى يعبد الله تعالى وحده لا شريك له) [حديث صحيح، رواه أحمد وغيره].

4) إقامة شرع الله وتطبيق حدوده

قال تعالى: {الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ} [سورة الحج: 41].

وقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (إقامة حد بأرض خير لأهلها من مطر أربعين صباحا) [حديث صحيح، رواه ابن حبان]، وقال صلى الله عليه وسلم: (من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، فهو في سبيل الله) [متفق عليه]، قال الإمام القرطبي: «يعني بـ (كلمة الله): دين الإسلام» [المفهم].

5) الدفاع عن الدين والنفس والعرض والمال

جاء رجل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: «يا رسول الله، أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالي؟» قال: (فلا تعطه مالك) قال: «أرأيت إن قاتلني؟» قال: (قاتله) قال: «أرأيت إن قتلني؟» قال: (فأنت شهيد) [رواه مسلم]، وقال صلى الله عليه وسلم: (من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد) [رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح].


◽ المصدر: صحيفة النبأ – العدد 25
السنة السابعة - الثلاثاء 26 جمادى الآخرة 1437 هـ

مقال:
لماذا نقاتل؟ أهم مقاصد الجهاد في سبيل الله
...المزيد

أبو مهند الشامي الرجل الذي داس الفصائل بقدمين من حديد • أما عن ولائه للدولة الإسلامية فإن من ...

أبو مهند الشامي الرجل الذي داس الفصائل بقدمين من حديد

• أما عن ولائه للدولة الإسلامية فإن من يعرفه يعلم أنه منذ بيعته لأمير المؤمنين كان حريصا على كل ما كان من شأنه مصلحة الدولة، فمجرد أن بلغه الأمر بالهجرة حزم متاعه وجمع سلاح لوائه، لينطلق بمن تبعه من جنوده إلى دار الإسلام، وبمجرد وصوله سلّم كل أملاك اللواء إلى الدولة الإسلامية، ومنها مئات الآلاف من الدولارات كانت بحوزته مما غنمه في معاركه الطويلة، بالإضافة إلى 12 دبابة ومدرعة والكثير من السلاح والآليات، ثم عمل على إنهاء اسم (لواء داود) نهائيا ومعاقبة كل من بقي يستعمل هذا الاسم القديم أو ينسب أحدا ممن بايع أمير المؤمنين إليه، وذلك ليزرع في قلوب الجنود جميعا الانتماء للدولة الإسلامية، والطاعة لأمير المؤمنين.

كان صاحب تفكير عسكري مميز، يجهز لغزواته بشكل جيد، وتشهد له بذلك معاركه الكثيرة التي خاضها وفتح الله عليه فيها، قبل بيعته للدولة الإسلامية، ومنها معارك حاجز حميشو، وحاجز باب الهوى، وكلية الشؤون الإدارية، ومطار تفتناز، ومعسكر الشبيبة، وكلية الدفاع الجوي، وحاجز الجديدة، والسادكوب، والحواجز بين إدلب وأريحا، وغيرها.

وبعد بيعته لأمير المؤمنين وهجرته، قاد غزوات كبرى بالمقياس العسكري، وأهمها غزوة فتح تدمر، التي كانت واحدة من أكبر معارك جيش الخلافة على الإطلاق من حيث حشد القوات واتساع جبهة القتال، وكذلك معركة خناصر التي ظهرت فيها إمكاناته القيادية في أوضح صورها إذ أتاه الأمر بالتحضير للغزوة قبل موعدها بخمسة أيام فقط، ورغم ذلك مكنه الله من تجهيزها وحشد القوات والإمكانات اللازمة لها، وكان فيها الفتح المبين بفضل الله.

ورغم اهتمامه الشديد بالجبهات والجنود، فإنه تقبله الله لم يكن من النوع الذي يهمل باقي مفاصل الولاية ودواوينها، بل كان يكثر الجلوس مع أمراء المفاصل ويحثهم على مزيد من الجهد ويسعى في تأمين ما يحتاجونه لنجاح عملهم، لدرجة أن كلا منهم كان يشعر أن أبا مهند لا يهتم بغير مفصله، وكان من عادته إذا أراد الاجتماع بالإخوة لأمر هام أن يسير بهم في البادية مسافات بعيدة لينعزل عن كل ما قد يشغله عن أمر الاجتماع حتى يتم أمره، وكان معروفا عنه أنه يستشير إخوانه مجتمعين أو فرادى، فيطرح عليهم المشاكل ويطالبهم بطرح الحلول، حتى إذا استحسن رأيا عرضه على باقي إخوانه موضحا أنه رأي الأخ فلان، كي لا ينسب لنفسه ما ليس منه، وكي يرفع من شأن أخيه، ويزيد من ثقته بنفسه.

وإلى جانب ذلك كله كان -رحمه الله- صاحب عبادة، حبّب إليه قيام الليل بالصلاة، فيوقظ أهله في الثلث الأخير من الليل ويصلي بهم، وحبّب إليه البكور في العمل، فيبدأ كل أعماله بعد صلاة الفجر، ويعقد الكثير من اجتماعاته في هذا الوقت، ويحض إخوانه على التبكير في النوم، والبكور في العمل بحثا عن البركة.

وكان مما عُرف عنه إذا اشتدت المعارك، أن ينزوي في جانب عن إخوانه يدعو الله، ويمرغ وجهه في التراب، يستفتحه ويستنصره، ويبقى يكرر ذلك حتى يكتب الله لهم الفتح والنصر على عدوهم.

أما شجاعته فحدّث ولا حرج، فقد شهد إخوانه له أنه كان من أشجع الأمراء العسكريين في الدولة الإسلامية، وأنه كان قائدا ميدانيا يدير معاركه من ساحة المعركة بل من خطوطها الأمامية لا من مؤخرة الجيش أو قلبه، وشهد من عايشه في تدمر أنه كان إذا اشتد وطيس المعارك ذهب إلى الخط الأول وبقي مع المجاهدين هناك يثبت أقدامهم ويتقدم بهم، وكانت قاعدته الرئيسية في معاركه مع الجيش النصيري أن الهجوم خير وسيلة للدفاع، فلا يترك للعدو فرصة ليلتقط أنفاسه أو يحضر للهجوم عليه بشكل جيد، بل يكرر عليه الهجمات باستمرار وينوع عليه نقاط الهجوم فيبقيه في حالة استنفار دائم.

وكان حريصا على أن يستطلع مواقع العدو بنفسه، ويتقدم إلى آخر نقطة يمكنه الوصول إليها ليجمع أكبر قدر ممكن من المعلومات عن العدو، حتى أنه في غزوة خناصر الأخيرة أصر على استطلاع مكان اقتحام إخوانه بنفسه، واقترب كثيرا من مواقع النظام النصيري على محيط طريق خناصر رغم معرفته بوجود ألغام في المنطقة، فانفجر عليه أحد الألغام وأصابه إصابة بليغة.

مرت أيام على الإصابة، إلا أن الله -تعالى- كتب أن تفارق روح أبي مهند جسده، بعد أن تلفظ بالشهادتين، وقد كان من آخر ما نطق به في دنياه أن قال لوالدته عندما رأى حزنها عليه في مرضه ولهفتها في الدعاء له بالشفاء في صلاتها: الملتقى الجنة بإذن الله.

إنه العبد الذي ألقى الدنيا وراء ظهره، عندما جاءته تخطب وده، وداس عليها وعلى شهواتها بقدميه الحديديتين، وأقبل يرجو ما عند الله تعالى، فنال ما تمنى، نحسبه كذلك.


◽ المصدر: صحيفة النبأ – العدد 25
السنة السابعة - الثلاثاء 26 جمادى الآخرة 1437 هـ

مقتطف من قصة شهيد:
أبو مهند الشامي
الرجل الذي داس الفصائل بقدمين من حديد
...المزيد

أبو مهند الشامي الرجل الذي داس الفصائل بقدمين من حديد • وكان منذ بداية جهاده يحب الجلوس مع ...

أبو مهند الشامي الرجل الذي داس الفصائل بقدمين من حديد

• وكان منذ بداية جهاده يحب الجلوس مع الدعاة وطلبة العلم، وخاصة المهاجرين منهم يسمع منهم ويستفتيهم باحثا عن الحق حتى أنه كان يصطحب معه دائما إخوة من طلبة العلم ليذكروه دائما بالله وينصحوه وكان على رأسهم حبيبه أبو مصعب الأردني تقبله الله.

كان حريصا على حضور الدروس الشرعية وخاصة دروس التوحيد، وكان يلزم جنوده بحضورها وكأنه يحاول أن يستدرك ما فاته مدة احتباسه في مناطق الصحوات قبل هجرته.

وكان من أشد الناس اتباعا للحق فكان يسأل عن الحكم الشرعي في المسألة فإذا بان له أنهى النقاش فيها وقام ليعمل بمقتضى الحكم الشرعي.

وكان شديد الخوف من الظلم ولو أدى ذلك إلى أن يقتص من نفسه ومن شدة خوفه من الظلم أنه كان يطوف بنفسه على السجناء كل فترة، فيلتقي بهم ويسألهم عن قضاياهم خشية أن يكون من بينهم بريء طال حبسه بسبب تأخير في عرض قضيته على القاضي لينظر فيها.

وكان يوقف الرجال من عامة المسلمين في الطرقات وهم لا يعرفونه فيسألهم عن علاقتهم بجنود الدولة الإسلامية، وعن معاملة الإخوة في الدواوين المختلفة لهم، مخافة أن يقع ظلم من أحد من جنوده على أحد ممن استرعاه الله عليه.

أما ثباته على طريق الجهاد في سبيل الحق، فهو الذي لم تزحزحه المحن ولا الكلوم عن ذلك، ففي أول طريقه قدر الله -تعالى- أن ينفجر صاروخ محلي الصنع قبل إطلاقه فيتسبب ببتر قدميه الاثنتين، ليستعيض عنهما بقدمين من حديد يضعهما إذا مشى وينزعهما إذا جلس أو ارتاح، خاض بهما عشرات المعارك، كما قدر الله -تعالى- أن يصاب بعد ذلك أكثر من مرة، إحداها عند استهداف طائرة نصيرية لسيارته أثناء غزوة فتح تدمر، حيث كسرت قدماه الحديديتان، ونجاه الله من القتل، وكذلك حين استهدفته دبابة نصيرية في إحدى معارك الدولة غرب تدمر، فأصابته شظايا القذيفة بجروح وقتلت أبا مصعب الأردني -تقبله الله- الذي كان بجواره، ومما كان يزيد من أعباء إصابته أنه كان مريضا بداء السكري، فلا تشفى جروحه بسهولة.

أما عن ولائه للدولة الإسلامية فإن من يعرفه يعلم أنه منذ بيعته لأمير المؤمنين كان حريصا على كل ما كان من شأنه مصلحة الدولة، فمجرد أن بلغه الأمر بالهجرة حزم متاعه وجمع سلاح لوائه، لينطلق بمن تبعه من جنوده إلى دار الإسلام، وبمجرد وصوله سلّم كل أملاك اللواء إلى الدولة الإسلامية، ومنها مئات الآلاف من الدولارات كانت بحوزته مما غنمه في معاركه الطويلة، بالإضافة إلى 12 دبابة ومدرعة والكثير من السلاح والآليات، ثم عمل على إنهاء اسم (لواء داود) نهائيا ومعاقبة كل من بقي يستعمل هذا الاسم القديم أو ينسب أحدا ممن بايع أمير المؤمنين إليه، وذلك ليزرع في قلوب الجنود جميعا الانتماء للدولة الإسلامية، والطاعة لأمير المؤمنين.

كان صاحب تفكير عسكري مميز، يجهز لغزواته بشكل جيد، وتشهد له بذلك معاركه الكثيرة التي خاضها وفتح الله عليه فيها، قبل بيعته للدولة الإسلامية، ومنها معارك حاجز حميشو، وحاجز باب الهوى، وكلية الشؤون الإدارية، ومطار تفتناز، ومعسكر الشبيبة، وكلية الدفاع الجوي، وحاجز الجديدة، والسادكوب، والحواجز بين إدلب وأريحا، وغيرها.

وبعد بيعته لأمير المؤمنين وهجرته، قاد غزوات كبرى بالمقياس العسكري، وأهمها غزوة فتح تدمر، التي كانت واحدة من أكبر معارك جيش الخلافة على الإطلاق من حيث حشد القوات واتساع جبهة القتال، وكذلك معركة خناصر التي ظهرت فيها إمكاناته القيادية في أوضح صورها إذ أتاه الأمر بالتحضير للغزوة قبل موعدها بخمسة أيام فقط، ورغم ذلك مكنه الله من تجهيزها وحشد القوات والإمكانات اللازمة لها، وكان فيها الفتح المبين بفضل الله.

ورغم اهتمامه الشديد بالجبهات والجنود، فإنه تقبله الله لم يكن من النوع الذي يهمل باقي مفاصل الولاية ودواوينها، بل كان يكثر الجلوس مع أمراء المفاصل ويحثهم على مزيد من الجهد ويسعى في تأمين ما يحتاجونه لنجاح عملهم، لدرجة أن كلا منهم كان يشعر أن أبا مهند لا يهتم بغير مفصله، وكان من عادته إذا أراد الاجتماع بالإخوة لأمر هام أن يسير بهم في البادية مسافات بعيدة لينعزل عن كل ما قد يشغله عن أمر الاجتماع حتى يتم أمره، وكان معروفا عنه أنه يستشير إخوانه مجتمعين أو فرادى، فيطرح عليهم المشاكل ويطالبهم بطرح الحلول، حتى إذا استحسن رأيا عرضه على باقي إخوانه موضحا أنه رأي الأخ فلان، كي لا ينسب لنفسه ما ليس منه، وكي يرفع من شأن أخيه، ويزيد من ثقته بنفسه.

وإلى جانب ذلك كله كان -رحمه الله- صاحب عبادة، حبّب إليه قيام الليل بالصلاة، فيوقظ أهله في الثلث الأخير من الليل ويصلي بهم، وحبّب إليه البكور في العمل، فيبدأ كل أعماله بعد صلاة الفجر، ويعقد الكثير من اجتماعاته في هذا الوقت، ويحض إخوانه على التبكير في النوم، والبكور في العمل بحثا عن البركة.


◽ المصدر: صحيفة النبأ – العدد 25
السنة السابعة - الثلاثاء 26 جمادى الآخرة 1437 هـ

مقتطف من قصة شهيد:
أبو مهند الشامي
الرجل الذي داس الفصائل بقدمين من حديد
...المزيد

أبو مهند الشامي الرجل الذي داس الفصائل بقدمين من حديد • بعد إعلان الخلافة، جاء الأمر لكل جنود ...

أبو مهند الشامي الرجل الذي داس الفصائل بقدمين من حديد

• بعد إعلان الخلافة، جاء الأمر لكل جنود الدولة في مناطق الصحوات أن ينحازوا إلى أراضي الدولة الإسلامية، كي يعيشوا في دار الإسلام تحت حكم الشريعة، وخوفا عليهم من غدر الصحوات، وكان على رأس هؤلاء الشيخ حسان عبود وجنوده، الذي ما إن أتاه الأمر حتى أعد العدة للهجرة إلى دار الإسلام.

في طريق الهجرة منّ الله عليهم بفتح وغنائم حيث هاجم الجيش النصيري قافلة المهاجرين وكاد أن يتمكن من أسر عوائلهم التي أخذوها معهم في حافلات، ولكن الله سلّم، فكرَّ عليهم الإخوة الذين مكنهم الله من التصدي للمرتدين، ثم الهجوم عليهم وقتل كثير من جنودهم واغتنام مدرعتين منهم، ثم اجتياز الطريق الواصل بين أثريا وسلمية الذي يسيطر عليه النظام النصيري عنوة وحربا، والوصول إلى دار الإسلام، ليلحق بهم من تبقى من إخوانهم حيث القوة الأكبر التي كانت تتجهز للهجرة في سبيل الله، بما معها من سلاح وعتاد ومدرعات، لتصل بذلك جميعا إلى مناطق سيطرة الدولة الإسلامية وتلحق بجيش الدولة الإسلامية الذي كان يخوض حينها ملاحم ضد الجيش النصيري في عدة ولايات.

شارك الشيخ حسان عبود وإخوانه في معارك ولاية الرقة ضد الجيش النصيري قبل أن يوليه أمير المؤمنين على ولاية حمص، ورغم أنه كان يفضل العمل العسكري إلا أنه قبل الأمر سمعا وطاعة، ومضى أبو مهند (كما كنّاه أمير المؤمنين حفظه الله) إلى ساحة جهاده التي خلد فيها ذكراه بحسن قيادته، وطيب معشره، وبما فتح الله عليه من البلاد.

كانت ولاية حمص تضم مساحات واسعة من بادية الشام، وجبهات طويلة ممتدة مع النظام النصيري، فكان أول ما عمل عليه الشيخ أبو مهند أن بدأ بإعادة ترتيب قواطعها، وتنظيم جيشها، وتكبد في ذلك مشقة كبيرة بسبب ما استجد عليه من أساليب الإدارة والتنظيم المتّبعة في الدولة الإسلامية، وفي نفس الوقت لم يكن ليغفل عن قتال النصيرية، فقاد بفضل الله عدة غزوات ناجحة على الجيش النصيري وذلك قبل أن يقود الغزوة الكبرى في ولاية حمص وهي غزوة فتح تدمر والسخنة.

في هذه الغزوة وقع على الشيخ أبي مهند مزيد من المسؤوليات ففضلا عن قيادته لجنود ولاية حمص في الغزوة، عيّنه إخوانه في هيئة الحرب أميرا عاما للغزوة، التي شاركت فيها أيضا كتائب من ولايات حماة ودمشق بالإضافة إلى كتائب من جيش الخلافة.

وقد منّ الله عز وجل على الشيخ أبي مهند وجنوده بفتح سريع، وأنهوا وجود الجيش النصيري في الجزء الخاص بهم من الغزوة وهي كل من بلدة السخنة وحقل الهيل الغازي وشركة الأرك ومحطة ضخ النفط T3 بالإضافة إلى الحواجز المنتشرة بين تلك النقاط، كما منّ الله تعالى على إخوانهم في بقية القواطع، ليفتح الله على أيديهم مدينة تدمر ويغنموا من مستودعات السلاح القريبة منها كميات هائلة من السلاح.

بعد فتح تدمر تم نقله من ولاية حمص ليصبح المسؤول عن ولايات حمص وحماة ودمشق في هيئة الحرب، ويقود معارك الدولة الإسلامية في هذه الولايات، التي كان من أهمها فتح مدينتي القريتين ومهين، ومعارك بئر القصب والقلمون الشرقي ضد الصحوات، والمعارك على الطريق الرابط بين أثريا وسلمية، ثم قيادة معركة قطع طريق إمداد النظام في مدينة حلب، والتي كتب الله -سبحانه وتعالى- الفتح لعباده، فقطعوا طريق إمداد النظام الوحيد، وأجبروه على الدخول في معركة لم يكن مستعدا لها تكبد فيها مئات القتلى من «قوات النخبة» لديه، وفي هذه المعركة قدر الله أن يصاب الشيخ أبو مهند الشامي بجروح خطيره، أثناء تقدمه في عمق مناطق النظام.

كانت الصفة البارزة التي صبغت شخصية الشيخ أبي مهند الشامي -تقبله الله- بحثه عن الحق واجتهاده في ذلك، وتمسكه به، وجهاده في سبيله بكل ما أوتي من قوة، ومهما عظمت التكاليف وزادت المشقة.

فهو الذي منذ بدأ جهاده للنصيريين كان يبحث عمن يريد إقامة الشريعة الإسلامية فيرتبط به، ويقاتل تحت رايته، وهو ما أوصله في نهاية مطافه إلى بيعة أمير المؤمنين والانضمام إلى الدولة الإسلامية بعدما بان له كذب الأدعياء من قادة الفصائل التي تنتسب للإسلام وتسعى لإقامة الديموقراطية الشركية، وهو الذي عندما عرف الحق الذي وجده في منهج الدولة الإسلامية تمسك به غير آبه بالعروض والإغراءات التي تلقاها من مرتدي الداخل والخارج، تاركا وراءه ما لديه من قوة وعدد وعتاد وضعها كلها في خدمة الدولة الإسلامية، لا ترهبه كثرة أعدائها وتربصهم بها، ثابتا على بيعته لأمير المؤمنين مثبتا إخوانه الذين معه.


◽ المصدر: صحيفة النبأ – العدد 25
السنة السابعة - الثلاثاء 26 جمادى الآخرة 1437 هـ

مقتطف من قصة شهيد:
أبو مهند الشامي
الرجل الذي داس الفصائل بقدمين من حديد
...المزيد

أبو مهند الشامي الرجل الذي داس الفصائل بقدمين من حديد • غزت أمريكا الصليبية أرض العراق، فهب ...

أبو مهند الشامي الرجل الذي داس الفصائل بقدمين من حديد

• غزت أمريكا الصليبية أرض العراق، فهب لقتالها الآلاف من الشباب، وخاصة من بلاد الشام، وكان ممن نفروا في تلك الفترة حسّان عبد الجليل عبّود، الذي كان يُعرف في بلدته سرمين (في إدلب) بالشجاعة والجرأة والمروءة، سافر إلى العراق، وبقي يقاتل فيها، وخالط المهاجرين فيها وأحبهم وأحبوه، وكان ممن قدر الله أن يلتقي بهم، الشيخ أبو أنس الشامي تقبله الله، فقاتل إلى جانبه، وحضر معه غزوة تحرير سجن أبو غريب، التي كتب الله أن يكشف فيها الصليبيون أماكن المجاهدين فيقصفوهم، ويُقتل كثير منهم، من بينهم الشيخ أبو أنس، إلا أن الله -تعالى- كتب أن ينجي حسان من القتل، وعاد بعد ذلك بمدة إلى الشام.

تابع بعد عودته مساعدة المجاهدين ومناصرتهم، من خلال استقباله المهاجرين وإيوائهم والعمل على إدخالهم إلى العراق، واستمر على هذه الحال حينا من الزمن، حتى انقطع اتصاله بالمجاهدين.

مع خروج المظاهرات في الشام ضد النظام النصيري بدأ حسان عبود يعد نفسه ومن معه من أقاربه وأصحابه لقتال النصيريين، عن طريق جمع ما يمكن من السلاح، والتدرب على تصنيع العبوات، فكانوا من أوائل من رفع السلاح في وجه الجيش النصيري في شمال الشام، ومع اشتداد القتال في الشام مرت المجموعة التي كان يقودها في عدة مراحل ومسميات، آخرها «لواء داود».

وفي نفس الوقت استمر يبحث عن الحق وأهله حيث لم يتمكن في العراق من معرفة منهج المجاهدين كاملا بسبب شدة الوضع هناك وعودته إلى الشام ثم انقطاعه عنهم، وقدر الله أن يقرّب إليه بعض الإخوة الدعاة من المهاجرين، فنصحوه ووجّهوه إلى صحة الاعتقاد وسلامة المنهج، وتزامن ذلك مع إعلان الدولة الإسلامية تمددها إلى الشام، فكان ذلك من أكبر الحوافز التي دعته للارتباط بها والتحالف معها ضد النصيرية.

وبعد مشاركته جيش الدولة الإسلامية في بعض المعارك من بينها غزوة مستودعات الحمراء في ريف حماة، أعلن الشيخ حسان عبود ومن معه البيعة لأمير المؤمنين لينضم بجنوده إلى ولاية إدلب، ويتم تعيينه مسؤولا عسكريا لها، وكان ذلك قبل انطلاق معارك الصحوات ضد الدولة الإسلامية بثلاثة أسابيع تقريبا.

كان الإخوة في ولاية إدلب حينها بضعة مئات معظمهم من المهاجرين وسط غابة من الفصائل التي كانت تتحين الفرصة للانقضاض عليهم، فكان انضمام فصيل «لواء داود» بمقاتليه الذين يبلغ تعدادهم 700 أو أكثر إلى الدولة الإسلامية ومبايعة قائده ومؤسسه حسان عبود لأمير المؤمنين فتحا منّ الله به على المجاهدين، وقد بدأ الشيخ حسّان فور استلامه مهمّة المسؤول العسكري للولاية التخطيط لعمل عسكري كبير على مدينة خان شيخون والحواجز المحيطة بها لتطهيرها من رجس النصيرية، وكان من المقرر أن يشترك فيها جنود الدولة الإسلامية في ولايتي إدلب وحماة، ولكن هذه العملية لم تنطلق بسبب خروج الصحوات وقتالها الدولة الإسلامية في كافة مناطق الشمال، مما اضطر جنودها للانحياز والعمل على تجميع قواتهم كي لا تستفرد بهم الفصائل كما حدث معهم في ريفي حلب الشمالي والغربي، فكانت سراقب وسرمين هما الخيار الأنسب لهم، حيث أمّن الشيخ حسان عبود وإخوانه الحماية لهم وأفشلوا كل محاولات الصحوات وعلى رأسهم صقور الشام للدخول عليهم.

تفرغ الشيخ لفترة من الزمن لتحصين منطقته من الصحوات التي كانت تتربص به، فتمكن من تفكيك العديد من خلايا الصحوات الأمنية في سراقب وسرمين، وتمكن من دعوة بعض الكتائب هناك لبيعة أمير المؤمنين، وبقي في منطقته بانتظار الأوامر له بالتحرك لاستعادة ولاية إدلب من أيدي الصحوات.

بعد إعلان الخلافة، جاء الأمر لكل جنود الدولة في مناطق الصحوات أن ينحازوا إلى أراضي الدولة الإسلامية، كي يعيشوا في دار الإسلام تحت حكم الشريعة، وخوفا عليهم من غدر الصحوات، وكان على رأس هؤلاء الشيخ حسان عبود وجنوده، الذي ما إن أتاه الأمر حتى أعد العدة للهجرة إلى دار الإسلام.

في طريق الهجرة منّ الله عليهم بفتح وغنائم حيث هاجم الجيش النصيري قافلة المهاجرين وكاد أن يتمكن من أسر عوائلهم التي أخذوها معهم في حافلات، ولكن الله سلّم، فكرَّ عليهم الإخوة الذين مكنهم الله من التصدي للمرتدين، ثم الهجوم عليهم وقتل كثير من جنودهم واغتنام مدرعتين منهم، ثم اجتياز الطريق الواصل بين أثريا وسلمية الذي يسيطر عليه النظام النصيري عنوة وحربا، والوصول إلى دار الإسلام، ليلحق بهم من تبقى من إخوانهم حيث القوة الأكبر التي كانت تتجهز للهجرة في سبيل الله، بما معها من سلاح وعتاد ومدرعات، لتصل بذلك جميعا إلى مناطق سيطرة الدولة الإسلامية وتلحق بجيش الدولة الإسلامية الذي كان يخوض حينها ملاحم ضد الجيش النصيري في عدة ولايات.


◽ المصدر: صحيفة النبأ – العدد 25
السنة السابعة - الثلاثاء 26 جمادى الآخرة 1437 هـ

مقتطف من قصة شهيد:
أبو مهند الشامي
الرجل الذي داس الفصائل بقدمين من حديد
...المزيد

كامب ديفيد في عصر الخلافة • إن انهيار الجيش المصري المرتد في سيناء واقع لا محالة، قريبا بإذن ...

كامب ديفيد في عصر الخلافة

• إن انهيار الجيش المصري المرتد في سيناء واقع لا محالة، قريبا بإذن الله تعالى، وإن أحداث الأسابيع الأخيرة في رفح والعريش والشيخ زويد هي خير دليل على ذلك، فمرتدو الجيش والشرطة باتوا -بفضل الله- عاجزين عن التحرك بحرية خوفا من كمائن المجاهدين وعبواتهم التي تفتك بهم وبمدرعاتهم كل يوم، وجنود الخلافة صاروا ينفّذون عملياتهم الجريئة داخل المدن التي يزعم المرتدون السيطرة عليها دون أن يجرؤوا على الخروج من جحورهم لحماية رفاقهم وعملائهم، ومن لا يطاله لهيب العبوات ورصاص الانغماسيين، تبلغه الصواريخ والقذائف، وما زالت قوة جنود الخلافة في تصاعد، وقوة المرتدين في هبوط وتراجع، ومن يقارن بين حال سيناء قبل انضمام مجاهديها للدولة الإسلامية، وبين حالها اليوم يدرك الفرق، وتستبين له نعمة الله على عباده الموحدين في الاجتماع.

هذه التطورات الحادثة في سيناء لن تقف آثارها على حدود سواحلها فحسب، بل ستمتد لتؤثر على كثير من الظروف في المناطق المجاورة، وعلى رأسها العلاقة بين حكومة الطاغوت في مصر ودولة اليهود في بيت المقدس وأكنافه، والتي تم تحديدها منذ عقود في إطار حدود ما يُعرف بـ«اتفاقية كامب ديفيد»، وستكون هذه الاتفاقية المشؤومة أول الأوثان التي تحطمها دولة الخلافة في هذا الجزء من العالم، وذلك بإجبار كل من الطرفين المصري واليهودي على تجاوز بنودها، والتعدي على حدودها في سبيل وقف الزحف المتصاعد لجنود الخلافة، الذي يهدد الحكومتين الكافرتين على حد سواء.

فحكومة الطاغوت في مصر تحاول منذ وصولها إلى الحكم بعد الانقلاب على حكومة الطاغوت الإخواني المرتد محمد مرسي أن تعيد الأوضاع في سيناء إلى سيطرتها لم تعد قادرة على إخفاء حجم خسائرها على يد جنود الدولة الإسلامية، ولا التغطية على فشل جيشها وأجهزة أمنها المختلفة في تحقيق أي نصر ولو إعلاميا عليهم، ولم تنفعها الإمدادات المتواصلة من الجنود والمدرعات الذين تدفع بهم بشكل متواصل إلى ساحة المعركة في تحقيق أي نجاح على الأرض، في الوقت الذي تهدد حالة الاستنزاف هذه مصير النظام الطاغوتي في مصر كلها في حال إصراره على الدفع بالمزيد من قواته إلى سيناء في ظل الوضع الأمني الهش في مدن مصر كلها، الذي يهدد بانهياره في أيّة لحظة يتراجع فيها حضور الجيش المصري قرب المدن الكبرى، وفي الوقت نفسه فإن الحشد الكبير لقوات الجيش المصري في سيناء هو نسف لاتفاقية «كامب ديفيد» التي حرّمت أيّ تواجد عسكري لجيش الردّة المصري في سيناء بصورة تهدد الوثن المعبود عندهم «أمن إسرائيل».

أما بالنسبة لحكومة اليهود التي تخشى من انهيار الجيش المصري في سيناء وهو أسوأ سيناريو للأحداث يُرعبها، فإنها تسعى الآن بكل طاقتها إلى منع حدوث ذلك الانهيار عن طريق سماحها بخرق الجيش المصري لبنود اتفاقية «كامب ديفيد» التي تخصّ حجم القوات المصرية المسموح تواجدها في سيناء، والمناطق المسموح انتشار الجيش المصري فيها، بل وزادت على ذلك بالتدخل العسكري المباشر إلى جانب الجيش المصري في معاركه مع جنود الخلافة سواء عن طريق التجسس وتحديد مواقع المجاهدين باستخدام الجواسيس والطائرات المسيرة، أو المشاركة بالهجوم المباشر على مواقع المجاهدين بالقصف الجوي أو العمليات البرية.

إن تجاوز اتفاقية «كامب ديفيد» التي باتت -حسب رأيهم- عائقا أمام جهودهم للقضاء على الدولة الإسلامية في ولاية سيناء، لن يمنع -بإذن الله- انهيار الجيش المصري المرتد، وإن صحراء سيناء ستكون -بحول الله- ساحة لملاحم كبرى خلال الفترة القادمة ضد جنود الجيشين اليهودي والمصري، بل وضد التحالف الصليبي الذي سيكون مجبرا على دعم حلفائه والدفاع عنهم، خوفا من سقوط هذه المنطقة الحيوية من العالم بالكامل في يد جنود الخلافة.

إن ما يجري في سيناء اليوم من أحداث وما سينتج عنها في المستقبل القريب لهو دليل واضح على الفشل المحتم لخطة التحالف الصليبي الذي تقوده أمريكا، فالعالم أكبر من أن تغطي سماءه طائرات الصليب، وأرضه أوسع من أن تضيق بجنود الله، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.


◽ المصدر: صحيفة النبأ – العدد 25
السنة السابعة - الثلاثاء 26 جمادى الآخرة 1437 هـ

المقال الافتتاحي:
كامب ديفيد في عصر الخلافة
...المزيد

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً